وقالوا : يقال مريته حقه إذا جحدته، وتعديته بعلى لا تصح إلا على مذهب التضمين نَزْلَةً أُخْرى مرة أخرى من النزول، نصبت النزلة نصب الظرف الذي هو مرة، لأنّ الفعلة اسم للمرّة من الفعل، فكانت في حكمها، أى : نزل عليه جبريل عليه السلام نزلة أخرى في صورة نفسه، فرآه عليها، وذلك ليلة المعراج. قيل في سدرة المنتهى : هي شجرة نبق في السماء السابعة عن يمين العرش : ثمرها كقلال هجر، وورقها كآذان الفيول، تنبع من أصلها الأنهار التي ذكرها اللّه في كتابه، يسير الراكب في ظلها سبعين عاما لا يقطعها.
والمنتهى : بمعنى موضع الانتهاء، أو الانتهاء، كأنها في منتهى الجنة وآخرها. وقيل : لم يجاوزها أحد، وإليها ينتهى علم الملائكة وغيرهم، ولا يعلم أحد ما وراءها. وقيل : تنتهي إليها أرواح الشهداء جَنَّةُ الْمَأْوى الجنة التي يصير إليها المتقون : عن الحسن. وقيل : تأوى إليها أرواح الشهداء.
وقرأ على وابن الزبير وجماعة : جنة المأوى، أى ستره بظلاله ودخل فيه. وعن عائشة : أنها أنكرته وقالت : من قرأ به فأجنه اللّه ما يَغْشى تعظيم وتكثير لما يغشاها، فقد علم بهذه العبارة أن ما يغشاها من الخلائق الدالة على عظمة اللّه وجلاله : أشياء لا يكتنهها النعت ولا يحيط بها الوصف. وقد قيل : يغشاها الجم الغفير من الملائكة يعبدون اللّه عندها. وعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«رأيت على كل ورقة من ورقها ملكا قائما يسبح اللّه» «١». وعنه عليه السلام : يغشاها رفرف من طير خضر «٢». وعن ابن مسعود وغيره : يغشاها فراش من ذهب «٣» ما زاغَ بصر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وَما طَغى أى أثبت ما رآه إثباتا مستيقنا صحيحا، من غير أن يزيغ بصره عنه أو يتجاوزه، أو ما عدل عن رؤية العجائب التي أمر برؤيتها ومكن منها، وما طغى : وما جاوز ما أمر برؤيته لَقَدْ رَأى واللّه لقد رأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الآيات التي هي كبراها وعظماها «٤»، يعنى : حين رقى ربه إلى السماء فأرى عجائب الملكوت.
(١). أخرجه الطبري من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال قيل له : يا رسول اللّه، أى شيء رأيت يغشى تلك الشجرة؟ فذكره وأتم منه» وعبد الرحمن ضعيف وهذا معضل. [.....]
(٢). لم أجده.
(٣). أما حديث ابن مسعود فرواه إسحاق بن راهويه من طريق مرة عنه بهذا وأتم منه وأما غيره فرواه [بياض بالأصل ].
(٤). قال محمود :«معناه قد رأى من آيات ربه الآيات التي... الخ» قال أحمد : ويحتمل أن تكون الكبرى صفة آيات ربه، لا مفعولا به، ويكون المرئي محذوفا لتفخيم الأمر وتعظيمه، كأنه قال : لقد رأى من آيات ربه الكبرى أمورا عظاما لا يحيط بها الوصف، والحذف في مثل هذا أبلغ وأهول، وهذا - واللّه أعلم - أولى من الأول، لأن فيه تفخيما لآيات اللّه الكبرى، وأن فيها ما رآه وفيها ما لم يره، وهو على الوجه الأول يكون مقتضاه أنه رأى جميع الآيات الكبرى على الشمول والعموم، وفيه بعد، فان آيات اللّه تعالى لا يحيط أحد علما بجملتها.
فان قال : عام أريد به خاص، فقد رجع إلى الوجه الذي ذكرناه واللّه أعلم.