وكانت قريش تقول لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : أبو كبشة، تشبيها له به لمخالفته إياهم في دينهم «١»، يريد : أنه رب معبودهم هذا. عاد الأولى : قوم هود، وعاد الأخرى : إرم. وقيل :
الأولى القدماء، لأنهم أوّل الأمم هلاكا بعد قوم نوح، أو المتقدمون في الدنيا الأشراف. وقرئ :
عادا لولى. وعاد لولى، بإدغام التنوين في اللام وطرح همزة أولى ونقل ضمتها إلى لام التعريف وَثَمُودَ وقرئ : وثمود أَظْلَمَ وَأَطْغى «٢» لأنهم كانوا يؤذونه ويضربونه حتى لا يكون به حراك، وينفرون عنه حتى كانوا يحذرون صبيانهم أن يسمعوا منه، وما أثر فيهم دعاؤه «٣» قريبا من ألف سنة وَالْمُؤْتَفِكَةَ والقرى التي ائتفكت بأهلها، أى : انقلبت، وهم قوم لوط، يقال : أفكه فأتفك :
وقرئ : والمؤتفكات أَهْوى رفعها إلى السماء على جناح جبريل، ثم أهواها إلى الأرض أى :
أسقطها ما غَشَّى تهويل وتعظيم لما صب عليها من العذاب وأمطر عليها من الصخر المنضود.
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٥٥ إلى ٥٨]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى (٥٥) هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى (٥٦) أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (٥٧) لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ (٥٨)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى تتشكك، والخطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، أو للإنسان على الإطلاق، وقد عدد نعما ونقما وسماها كلها آلاء من قبل ما في نقمه من المزاجر والمواعظ للمعتبرين هذا القرآن نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى أى إنذار من جنس الإنذارات الأولى التي أنذر بها من قبلكم. أو هذا الرسول منذر من المنذرين الأولين، وقال : الأولى على تأويل الجماعة أَزِفَتِ الْآزِفَةُ قربت الموصوفة بالقرب في قوله تعالى اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ، لَيْسَ لَها نفس كاشِفَةٌ أى مبينة متى تقوم، كقوله تعالى لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ أو ليس لها نفس كاشفة، أى : قادرة على كشفها إذا وقعت إلا اللّه، غير أنه لا يكشفها. أو ليس لها الآن نفس كاشفة بالتأخير، وقيل الكاشفة مصدر بمعنى الكشف : كالعافية. وقرأ طلحة : ليس لها مما يدعون من دون اللّه كاشفة، وهي على الظالمين ساءت الغاشية.
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٥٩ إلى ٦٢]
أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (٥٩) وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (٦٠) وَأَنْتُمْ سامِدُونَ (٦١) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (٦٢)

__
(١). هذا وهم، والمعروف أنهم كانوا يقولون له : ابن أبى كبشة، كما في حديث أبى سفيان الطويل في الصحيحين حيث قال : لقد أمر أمر ابن أبى كبشة أن يخافه ملك بنى الأصفر. يعنى هرقل.
(٢). قوله «و قرئ وثمود أظلم وأطغى» يفيد أن قراءة التنوين أشهر. (ع)
(٣). قوله «و ما أثر فيهم دعاؤه» أى دعاؤه إياهم إلى الإسلام. (ع)


الصفحة التالية
Icon