القول، فدعا فقال : إنى مغلوب «١» غلبني قومي، فلم يسمعوا منى واستحكم اليأس من إجابتهم لي فَانْتَصِرْ فانتقم منهم بعذاب تبعثه عليهم، وإنما دعا بذلك بعد ما طم عليه الأمر وبلغ السيل الربا «٢»، فقد روى : أنّ الواحد من أمّته كان يلقاه فيخنقه حتى يخر مغشيا عليه. فيفيق وهو يقول : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. وقرئ : ففتحنا مخففا ومشدّدا، وكذلك وفجرنا مُنْهَمِرٍ منصب في كثرة وتتابع لم ينقطع أربعين يوما وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً وجعلنا الأرض كلها كأنها عيون تتفجر، وهو أبلغ من قولك : وفجرنا عيون الأرض ونظيره في النظم وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً. فَالْتَقَى الْماءُ يعنى مياه السماء والأرض. وقرئ : الماءان، أى : النوعان من الماء السماوي والأرضى. ونحوه قولك : عندي تمران، تريد : ضربان من التمر : برني ومعقلي. قال :
لنا إبلان فيهما ما علمتم «٣»
وقرأ الحسن : الماوان، بقلب الهمزة واوا، كقولهم : علباوان عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ على حال قدرها اللّه كيف شاء. وقيل : على حال جاءت مقدّرة مستوية : وهي أن قدر ما أنزل من السماء كقدر ما أخرج من الأرض سواء بسواء. وقيل : على أمر قد قدر في اللوح أنه يكون، وهو هلاك قوم نوح بالطوفان عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ أراد السفينة، وهي من الصفات التي تقوم مقام الموصوفات فتنوب منابها وتودى مؤداها. بحيث لا يفصل بينها وبينها. ونحوه :
......... ولكن قميصي مسرودة من حديد «٤»

__
(١). قوله «فدعا فقال إنى مغلوب» لعله : أى فدعا فقال. (ع)
(٢). قوله «و بلغ السيل الربا» لعله جمع ربوة وهي ما ارتفع من الأرض كالرابية. أفاده الصحاح، لكن فيه في حرف الزاى : والزبية الرابية لا يعلوها الماء. وفي المثل : قد بلغ السيل الزبى. والزبية : حفرة تحفر للأسد في موضع عال لأجل صيده. اه ملخصا. (ع)
(٣) لنا إبلان فيهما ما علمتم فعن أيهما ما شئتم فتنكبوا
يقول : لنا قطيعان من الإبل فيهما قرى الأضياف وصلة الفقراء، فاحملوا ما شئتم منهما على مناكبكم، أى : خذوه وافصلوه عن الباقي. أو المعنى : اعدلوا عنهما وانصرفوا عما أردتموه منهما في مناكب الأرض، فاننا حماته.
وأيهما : بالسكون لغة في أى المشددة. وما شئتم : بدل منه. ويجوز أن «ما» زائدة، أى : ففي أيهما شئتم فانصرفوا في مناكب الأرض وطرقها مبعدين عنهما. ويجوز أن «ما شئتم» مفعول به، أو مفعول مطلق مقدم على عامله، والفاء الثانية تكرير للأولى. ويجوز أنها إشارة إلى ما في المعمول من معنى الشرط، أى : فاما عن أيهما. أو فاما ما شئتم فتنكبوا، أى : تجنبوا.
(٤) مفرشى صهوة الحصان ولكن قميصي مسرودة من حديد
الصهوة : مقعد الفارس من ظهر الفرس. يقول : مفرشى ظهر حصانى. وقميصي : درع من حديد متتابعة النسج، يعنى أنه ليس من أهل التنعم، بل من أهل البدو والغزو. والاستدراك من باب استتباع المدح بما يشبه الذم، مبالغة في المدح.


الصفحة التالية
Icon