فإن قلت : علام عطف قوله فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ؟ قلت : على يطاف عليهم. والمعنى :
يشربون فيتحادثون على الشراب كعادة الشرب «١»، قال :
وما بقيت من اللّذّات إلّا أحاديث الكرام على المدام «٢»
فيقبل بعضهم على بعض يَتَساءَلُونَ عما جرى لهم وعليهم في الدنيا، إلا أنه جيء به ماضيا على عادة اللّه في أخباره. قرئ : من المصدّقين، من التصديق. ومن المصّدّقين مشدّد الصاد، من التصدّق، وقيل : نزلت في رجل تصدّق بماله لوجه اللّه، فاحتاج فاستجدى بعض إخوانه، فقال : وأين مالك؟ قال : تصدقت به ليعوضنى اللّه به في الآخرة خيرا منه، فقال :
أإنك لمن المصدّقين بيوم الدين. أو من المتصدّقين لطلب الثواب. واللّه لا أعطيك شيئا لَمَدِينُونَ لمجزيون، من الدين وهو الجزاء. أو لمسوسون مربوبون. يقال : دانه ساسة.
ومنه الحديث :«العاقل من دان نفسه، «٣». قالَ يعنى ذلك القائل هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ إلى النار لأريكم ذلك القرين. قيل : إن في الجنة كوى ينظر أهلها منها إلى أهل النار. وقيل :
القائل هو اللّه عز وجل : وقيل بعض الملائكة يقول لأهل الجنة : هل تحبون أن تطلعوا فتعلموا أين منزلتكم من منزلة أهل النار. وقرئ. مطلعون، فاطلع. وفأطلع بالتشديد، على لفظ الماضي والمضارع المنصوب : ومطلعون فاطلع، وفأطلع بالتخفيف، على لفظ الماضي والمضارع المنصوب. يقال : طلع علينا فلان، واطلع، وأطلع بمعنى واحد، والمعنى : هل أنتم مطلعون إلى القرين فأطلع أنا أيضا. أو عرض عليهم الاطلاع فاعترضوه، فاطلع هو بعد ذلك.
وإن جعلت الإطلاع من أطلعه غيره، فالمعنى : أنه لما شرط في اطلاعه اطلاعهم، وهو من

__
(١). قوله «كعادة الشرب» جمع شارب، كالصحب جمع صاحب، كذا في الصحاح. (ع)
(٢). الفرزدق، يقول : وما بقيت لذة من اللذات إلا لذة أحاديث الكرام، أو ما بقيت شهوة من الشهوات اللذيذة إلا أحاديث الكرام على الخمر، وأتى بحرف الاستعلاء لأن الشراب يكون بين أيديهم والحديث من أفواههم فوقه، وكان الظاهر : وما بقي من اللذات، لكن أنث الفعل لأنه مفرغ لما بعد إلا، أو للتأويل المتقدم.
(٣). أخرجه الترمذي وابن ماجة، والحاكم وأحمد والبزار وأبو يعلى والحرث والطبراني كلهم من رواية أبى بكر ابن أبى مريم عن ضمرة بن حبيب عن شداد بن أوس.


الصفحة التالية
Icon