يريد : ونفيت عنه الذئب. فإن قلت : لم قال جَنَّتانِ؟ قلت : الخطاب للثقلين، فكأنه قيل :
لكل خائفين منكما جنتان : جنة للخائف الإنسى، وجنة للخائف الجنى. ويجوز أن يقال : جنة لفعل الطاعات، وجنة لترك المعاصي، لأنّ التكليف دائر عليهما وأن يقال : جنة يثاب بها، وأخرى تضم إليها على وجه التفضل، كقوله تعالى لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ خص الأفنان بالذكر : وهي الغصنة «١» التي تتشعب من فروع الشجرة، لأنها هي التي تورق وتثمر، فمنها تمتد الظلال، ومنها تجتنى الثمار. وقيل : الأفنان ألوان النعم ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين. قال :
ومن كل أفنان اللّذاذة والصّبا لهوت به والعيش أخضر ناضر «٢»
عَيْنانِ تَجْرِيانِ حيث شاءوا في الأعالى والأسافل. وقيل : تجريان من جبل من مسك.
وعن الحسن : تجريان بالماء الزلال : إحداهما التسنيم، والأخرى : السلسبيل زَوْجانِ صنفان : قيل : صنف معروف وصنف غريب مُتَّكِئِينَ نصب على المدح الخائفين. أو حال منهم، لأنّ من خاف في معنى الجمع بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ من ديباج ثخين، وإذا كانت البطائن من الإستبرق، فما ظنك بالظهائر؟ وقيل : ظهائرها من سندس. وقيل : من نور دانٍ قريب يناله القائم والقاعد والنائم. وقرئ : وجنى، بكسر الجيم.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٥٦ إلى ٦١]
فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٥٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٧) كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (٥٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٩) هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ (٦٠)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦١)

__
(١). قوله «و هي الغصنة» جمع غصن، كقرطة جمع قرط. أفاده الصحاح. (ع) [.....]
(٢). الأفنان : جمع فنن، وهو الغصن كثير الورق، فيكون شبه اللذات والصبا : بروضة أو شجرة ذات أفنان على طريق المكنية. وإثبات الأفنان : تخييل. ويجوز أنه جمع فن، أى : نوع وصف على غير قياس، كصحب وأصحاب. واللذاذات : جمع لذاذة، وهي اللذة. ويروى : اللذاذة بالافراد. والصبا : الشباب أو هوى النفس.
ومن بمعنى بعض على طريقة الزمخشري، أى : وبعض الأفنان لهوت، أى : تمتعت به. والجمهور يجعلون نحو هذا مما حذف فيه الموصوف، كقولهم : منا ظعن ومنا أقام، لتقدم مجرور يدل عليه، فمن كل : خبر مقدم، ولهوت :
صفة لمحذوف مبتدأ مؤخر، أى : صنف لهوت به، لكن المعنى على الاخبار باللهو، فلا بد من المصير إلى رأى الزمخشري. أو جعل الجار والمجرور صفة للمبتدإ، ولهوت خبرا وإن لم يتقدم المجرور على الصفة. ويجوز أن «من كل» معمول لمحذوف يفسره المذكور، أى : تمنعت من كل الأفنان لهوت به، والواو للحال، أى : والحال أن العيش أخضر، أى رطب لين ناضر حسن، نشبه العش بروض يافع. والخضرة تخييل.


الصفحة التالية
Icon