قلت : هذا في السابقين وذلك في أصحاب اليمين، وأنهم يتكاثرون من الأولين والآخرين جميعا.
فإن قلت : فقد روى أنها لما نزلت شق ذلك على المسلمين، فما زال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يراجع ربه حتى نزلت ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ. قلت : هذا لا يصح لأمرين، أحدهما : أنّ هذه الآية واردة في السابقين ورودا ظاهرا، وكذلك الثانية في أصحاب «١» اليمين.
ألا ترى كيف عطف أصحاب اليمين ووعدهم، على السابقين ووعدهم، والثاني : أنّ النسخ في الأخبار غير جائز. وعن الحسن رضى اللّه عنه : سابقو الأمم أكثر من سابقي أمّتنا، وتابعو الأمم مثل تابعي هذه الأمّة. وثلة : خبر مبتدإ محذوف، أى : هم ثلة مَوْضُونَةٍ مرمولة بالذهب، «٢» مشبكة بالدرّ والياقوت، قد دوخل بعضها في بعض كما توضن حلق الدرع.
قال الأعشى :
ومن نسج داود موضونة «٣»
وقيل : متواصلة، أدنى بعضها من بعض. مُتَّكِئِينَ حال من الضمير في على، وهو العامل فيها، أى : استقرّوا عليها متكئين مُتَقابِلِينَ لا ينظر بعضهم في أقفاء بعض. وصفوا بحسن العشرة وتهذيب الأخلاق والآداب مُخَلَّدُونَ مبقون أبدا على شكل الولدان وحدّ الوصافة، «٤» لا يتحوّلون عنه. وقيل : مقرّطون، والخلدة : القرط. وقيل : هم أولاد أهل الدنيا : لم تكن لهم حسنات فيثابوا عليها، ولا سيئات فيعاقبوا عليها. روى عن على رضى اللّه عنه وعن الحسن.
وفي الحديث :«أولاد الكفار خدّام أهل الجنة» «٥». الأكواب : أوان بلا عرى وخراطيم،

__
(١). قوله «و كذلك الثانية في أصحاب اليمين» أى ظاهرة الورود. (ع) [.....]
(٢). قوله «مرمولة بالذهب» في الصحاح : رملت الحصير، أى : سففته. وفيه أيضا : سففت الخوص : أى نسجته. (ع)
(٣) ومن نسج داود موضونة تساق مع الحي عيرا فعيرا
للأعشى، يصف الدروع، وجعلها من نسج سيدنا داود مبالغة في حسن صنعتها، لأنه نسجها بأمر من اللّه وتعليمه له. موضونة : أى مدخل بعضها في بعض، فهي محكمة النسج لتساق، أى : أصحابها مع الحي. والعير بالفتح :
السيد، أى سيدا بعد سيد متربين، ويطلق العير على طائر يطير فوق القافلة السائرة، وتبعد إرادته هنا.
(٤). قوله «و حد الوصافة» هي بلوغ الغلام حد الخدمة. أفاده الصحاح. (ع)
(٥). أخرجه البزار والطبراني في الأوسط من رواية عباد بن منصور عن أبى رجاء العطاردي عن سمرة بن جندب قال «سألنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال هم خدم أهل الجنة» ورواه البزار من براية على بن زيد بن جدعان والطيالسي والطبراني وأبو يعلى من رواية يزيد الرقاشي كلاهما عن أنس بهذا وأتم منه قلت : قد يعارضه حديث سمرة في صحيح البخاري. فقيه أنه رأى أولاد الناس تحت شجرة يكفلهم إبراهيم عليه السلام قال فقلنا : وأولاد المشركين؟ قال : وأولاد المشركين» أخرجه بهذا اللفظ. ويمكن الجمع بينهما بأن لا منافاة بينهما لاحتمال أن يكونوا في البرزخ كذلك، ثم بعد الاستقرار يستقرون في الجنة خدما لأهلها.


الصفحة التالية
Icon