كان المنافقون يتولون اليهود وهم الذين غضب اللّه عليهم في قوله تعالى مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ ويناصحونهم وينقلون إليهم أسرار المؤمنين ما هُمْ مِنْكُمْ يا مسلمون وَلا مِنْهُمْ ولا من اليهود، كقوله تعالى مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ. وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ أى يقولون : واللّه إنا لمسلمون، فيحلفون على الكذب الذي هو ادعاء الإسلام وَهُمْ يَعْلَمُونَ أن المحلوف عليه كذب بحت. فإن قلت : فما فائدة قوله وَهُمْ يَعْلَمُونَ؟
قلت : الكذب : أن يكون الخبر لا على وفاق المخبر عنه، سواء علم المخبر أو لم يعلم، فالمعنى :
أنهم الذين يخبرون وخبرهم خلاف ما يخبرون عنه، وهم عالمون بذلك متعمدون له، كمن يحلف بالغموس «١». وقيل : كان عبد اللّه بن نبتل المنافق يجالس رسول اللّه «٢» صلى اللّه عليه وسلم، ثم يرفع حديثه إلى اليهود، فبينا رسول اللّه في حجرة من حجره إذ قال لأصحابه : يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعين شيطان، فدخل ابن نبتل وكان أزرق، فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم :«علام تشتمني أنت وأصحابك»؟ فحلف باللّه ما فعل، فقال عليه السلام :«فعلت» فانطلق فجاء بأصحابه، فحلفوا باللّه ما سبوه، فنزلت عَذاباً شَدِيداً نوعا من العذاب متفاقما إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ يعنى أنهم كانوا في الزمان الماضي المتطاول على سوء العمل مصرين عليه. أو هي حكاية ما يقال لهم في الآخرة. وقرئ : إيمانهم، بالكسر، أى : اتخذوا أيمانهم التي حلفوا بها. أو إيمانهم الذي أظهروه جُنَّةً أى سترة يتسترون بها من المؤمنين ومن قتلهم فَصَدُّوا الناس في خلال أمنهم وسلامتهم عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وكانوا يثبطون من لقوا عن الدخول في الإسلام ويضعفون أمر المسلمين عندهم. وإنما وعدهم اللّه العذاب المهين المخزى لكفرهم وصدهم، كقوله تعالى الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ. مِنَ اللَّهِ من عذاب اللّه شَيْئاً قليلا من الإغناء. وروى أنّ رجلا منهم قال :

__
(١). قوله «كمن يحلف بالغموس» في الصحاح : الأمر الغموس : الشديد. واليمين الغموس : التي تغمس صاحبها في الإثم. (ع)
(٢). لم أجده هكذا. وروى أحمد والبزار والطبراني والطبري وابن أبى حاتم والحاكم من رواية سماك عن ابن جبير عن ابن عباس قال «كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في ظل حجرة وقد كاد الظل أن يتقاص، فقال :
إنه سيأتيكم إنسان، فينظر إليكم بعين شيطان. فإذا جاءكم فلا تكلموه. فلم يلبث أن طلع عليهم رجل أزرق أعور فقال حين رآه : علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فقال : ذرني آتيك بهم فانطلق فدعاهم فحلفوا ما قالوا وما فعلوا. فأنزل اللّه تعالى الآية»
لفظ الحاكم.


الصفحة التالية
Icon