لا تَجِدُ قَوْماً من باب التخييل. خيل أن من الممتنع المحال : أن تجد قوما مؤمنين يوالون المشركين، والغرض به أنه لا ينبغي أن يكون ذلك، وحقه أن يمتنع ولا يوجد بحال، مبالغة في النهى عنه والزجر عن ملابسته، والتوصية بالتصلب في مجانية أعداء اللّه ومباعدتهم والاحتراس من مخالطتهم ومعاشرتهم، وزاد ذلك تأكيدا وتشديدا بقوله وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ وبقوله أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وبمقابلة قوله أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ بقوله أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ فلا تجد شيئا أدخل في الإخلاص من موالاة أولياء اللّه ومعاداة أعدائه، بل هو الإخلاص بعينه كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ أثبته فيها بما وفقهم فيه وشرح له صدورهم وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ بلطف من عنده حييت به قلوبهم. ويجوز أن يكون الضمير للإيمان، أى : بروح من الإيمان، على أنه في نفسه روح لحياة القلوب به. وعن الثوري أنه قال : كانوا يرون أنها نزلت فيمن يصحب السلطان. وعن عبد العزيز بن أبى رواد : أنه لقيه المنصور في الطواف فلما عرفه هرب منه وتلاها. وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم : أنه كان يقول : اللهم لا تجعل لفاجر ولا لفاسق عندي نعمة، «١» فإنى وجدت فيما أوحيت إلىّ : لا تجد قوما. وروى أنها نزلت في أبى بكر رضى اللّه عنه، وذلك أنّ أبا قحافة سب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فصكه صكة سقط منها، فقال له رسول اللّه «أو فعلته»؟ قال : نعم، قال :«لا تعد» قال :
واللّه لو كان السيف قريبا منى لقتلته «٢». وقيل في أبى عبيدة بن الجراح : قتل أباه عبد اللّه الجراح يوم أحد، وفي أبى بكر : دعا ابنه يوم بدر إلى البراز، وقال لرسول اللّه : دعني أكرّ في الرعلة»
الأولى، قال : متعنا بنفسك يا أبا بكر، أما تعلم أنك عندي بمنزلة سمعي وبصرى «٤».
وفي مصعب بن عمير : قتل أخاه عبيد بن عمير يوم أحد. وفي عمر : قتل خاله العاص بن هشام يوم بدر. وفي على وحمزة وعبيدة بن الحرث : قتلوا عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة يوم بدر.
عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«من قرأ سورة المجادلة كتب من حزب اللّه يوم القيامة» «٥»

__
(١). ذكره صاحب الفردوس من حديث معاذ. وأورده ابن مردويه من رواية جعفر الأحمر عن كثير بن عطية عن رجل قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ولم يذكر ولا لفاسق.
(٢). نقله الثعلبي عن ابن جريج قال «حدثت أن أبا قحافة... فذكره.
(٣). قوله «دعني أكر في الرعلة»
هي القطعة من الخيل، كما في الصحاح. (ع)
(٤). هو في تفسير مقاتل بن حيان عن مرة الهمداني عن ابن مسعود، وذكره الثعلبي عن تفسير مقاتل.
(٥). أخرجه الثعلبي وابن مردويه والواحدي بأسانيدهم إلى أبى بن كعب رضى اللّه عنه.


الصفحة التالية
Icon