وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وقرئ : يقتلن، بالتشديد، يريد : وأد البنات وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها : هو ولدى منك.
كنى بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها عن الولد الذي تلصقه بزوجها كذبا، لأنّ بطنها الذي تحمله فيه بين اليدين، وفرجها الذي تلده به بين الرجلين وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فيما تأمرهن به من المحسنات وتنهاهنّ عنه من المقبحات. وقيل : كل ما وافق طاعة اللّه فهو معروف. فإن قلت : لو اقتصر على قوله وَلا يَعْصِينَكَ فقد علم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يأمر إلا بمعروف؟ قلت : نبه بذلك على أنّ طاعة المخلوق في معصية الخالق جديرة بغاية التوقي والاجتناب. وروى أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما فرغ يوم فتح مكة من بيعة الرجال :
أخذ في بيعة النساء وهو على الصفا «١» وعمر بن الخطاب رضى اللّه عنه أسفل منه يبايعهن بأمره ويبلغهن عنه، وهند بنت عتبة امرأة أبى سفيان متقنعة متنكرة خوفا من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يعرفها «٢» فقال عليه الصلاة والسلام :«أبايعكن على أن لا تشركن باللّه شيئا فرفعت هند رأسها وقالت : واللّه لقد عبدنا الأصنام وإنك لتأخذ علينا أمرا ما رأيناك أخذته على الرجال تبايع الرجال على الإسلام والجهاد، فقال عليه الصلاة والسلام : و«لا يسرقن» «٣» فقالت : إنّ أبا سفيان رجل شحيح، وإنى أصبت من ماله هنات، فما أدرى، أتحل لي أم لا. فقال أبو سفيان : ما أصبت من شيء فيما مضى وفيما غبر فهو لك حلال، فضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعرفها فقال لها : وإنّك لهند بنت عتبة؟ قالت : نعم فاعف عما سلف يا نبى اللّه عفا اللّه عنك، فقال :«و لا يزنين»، فقالت : أو تزنى الحرة؟ وفي رواية : ما زنت منهن امرأة قط، فقال عليه الصلاة والسلام «و لا يقتلن أولادهن» فقالت : ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا فأنتم وهم أعلم، وكان ابنها حنظلة بن أبى سفيان قد قتل يوم بدر، فضحك عمر حتى استلقى، وتبسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال :«و لا يأتين ببهتان» فقالت :
واللّه إنّ البهتان لأمر قبيح، وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق، فقال :«و لا يعصينك في معروف» فقالت : واللّه ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء. وقيل في كيفية
(١). لم أره بسياقه لكن أخرجه الطبري بمعناه وأخص منه من طريق العوفى عن ابن عباس. وأخرجه ابن أبى حاتم من طريق مقاتل بن حيان. وفيه قول هند : ربيناهم صغارا وقتلتموهم كبارا، فضحك عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه حتى استلقى.
(٢). قوله «خوفا من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يعرفها» لما صنعت بحمزة، كذا في النسفي، وذلك في غزوة أحد. (ع)
(٣). قوله «فقال عليه السلام ولا يسرقن» في النسفي قبل هذا : فبايع عمر النساء على أن لا يشركن باللّه شيئا. (ع)