يوم القيامة «١». وقال عليه السلام : إنى لأعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ...
فما زال يقرؤها ويعيدها «٢». وروى أنّ عوف بن مالك الأشجعى أسر المشركون ابنا له يسمى سالما. فأتى رسول اللّه فقال : أسر ابني وشكا إليه الفاقة، فقال : ما أمسى عند آل محمد إلا مدّ فاتق اللّه واصبر وأكثر من قول لا حول ولا قوّة إلا باللّه، ففعل فبينا هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل تغفل عنها العدو فاستاقها، فنزلت هذه الآية «٣» بالِغُ أَمْرِهِ أى يبلغ ما يريد لا يفوته مراد ولا يعجزه مطلوب. وقرئ : بالغ أمره بالإضافة، وبالغ أمره :
بالرفع، أى : نافذ أمره وقرأ المفضل : بالغا أمره، على أنّ قوله قَدْ جَعَلَ اللَّهُ خبر إن، وبالغا حال قَدْراً تقديرا وتوقيتا. وهذا بيان لوجوب التوكل على اللّه «٤»، وتفويض الأمر إليه، لأنه إذا علم أنّ كل شيء من الرزق ونحوه لا يكون إلا بتقديره وتوقيته : لم يبق إلا التسليم للقدر والتوكل.
(١). أخرجه الثعلبي والواحدي من رواية سعيد بن راشد عن عبد اللّه بن سعيد بن أبى هند عن زيد بن أسلم عن عطاء عن ابن عباس به مرفوعا. ورواه أبو نعيم موقوفا على قتادة في ترجمته في الحلية.
(٢). أخرجه أحمد في الزهد وابن ماجة وابن حبان والحاكم من طريق ابن السلبل حزيب بن مغير عن أبى ذر مرفوعا
(٣). أخرجه الثعلبي من طريق الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس قال «جاء عوف بن مالك الأشجعى إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فذكره نحوه. ولم يسم الابن، لكن قال : أنه أحضر أربعة آلاف شاة ورواه البيهقي في الدلائل من طريق أبى عبيدة بن عبد اللّه بن مسعود عن أبيه نحوه. وفيه فلم يلبث الرجل أن رد اللّه عليه ابنه وإبله أو فر ما كانت. فأتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخبره فقام على المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه وأمرهم بمسألة اللّه والرغبة إليه. وقرأ عليهم وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ - الآية وروى الحاكم من طريق سالم بن الجعد عن جابر قال «نزلت هذه الآية في رجل من أشجع كان فقيرا خفيف ذات اليد كثير العيال، فأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسأله. فقال : اتق اللّه واصبر، فلم يلبث إلا يسيرا حتى جاء ابن له بغنم كان العدو أصابها. فذكره مختصرا. وفيه عبيد بن كثير تركه الأزدى وعباد عن يعقوب. وهو رافضي.
(٤). قال محمود :«قوله بالِغُ أَمْرِهِ بيان لوجوب التوكل على اللّه، وتفويض الأمر إليه... الخ» قال أحمد :
ليس بعشك فادرجى أيراه القدري، وأين التسليم للقدر وليس هذا دينه ولا معتقده من تقسيم الحوادث ثلاثة أقسام :
فمنها ما يريد اللّه تعالى وجوده وهو المأمورات ولا يقع أكثر مراده منها، ومنها ما يريد عدمه وهو المنهيات فيوجد أكثرها على خلاف مراده، ومنها ما لا يريد عدمه ولا وجوده فان وجد فبغير إرادته عز وجل وإن عدم فكذلك فيتحصل من هذا الهذيان الذي لا يتصور أن الكائنات إنما تتبع إرادة الخلق لأنها لا تقع إلا بها، فان واقت إرادة اللّه تعالى فليس وقوعها تابعا لها لأنها وقعت بدونها، وإن خالفت إرادة اللّه تعالى لم يكن لمخالفتها للارادة الربانية تأثير في منع وقوعها، فمن يتوغل في أدغال هذا الضلال كيف له بالتوكل الذي يتوقف على اعتقاد أن الكائنات جميعها إنما تتوقف على إرادة اللّه عز وجل، فمهما أراده وقع، ومهما لم يرده لم يقع، شاء العبد أو أبى، فما شاء اللّه كان وما لم يشأ لم يكن، والعبد مجرى لحدوث الكائنات الواقعة بقدرة اللّه تعالى وإرادته لا غير، لا راد لأمره ولا معقب لحكمه، فما القدري من هذا المقام الشريف إلا على مراحل لا يقربه إليها إلا راحلة الانصاف وزاد التقوى ودليل التوفيق، واللّه حسبنا ونعم الوكيل.