عليها أمرها. وقيل : هو أن يلجئها إلى أن تفتدى منه. فإن قلت : فإذا كانت كل مطلقة عندكم تجب لها النفقة، فما فائدة الشرط في قوله وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ «١» قلت :
فائدته أن مدة الحمل ربما طالت فظن ظانّ أن النفقة تسقط إذا مضى مقدار عدة الحائل، فنفى ذلك الوهم. فإن قلت : فما تقول في الحامل المتوفى عنها؟ قلت : مختلف فيها، فأكثرهم على أنه لا نفقة لها، لوقوع الإجماع على أنّ من أجبر الرجل على النفقة عليه من امرأة أو ولد صغير لا يجب أن ينفق عليه من ماله بعد موته، فكذلك الحامل. وعن على وعبد اللّه وجماعة : أنهم أوجبوا نفقتها فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ يعنى هؤلاء المطلقات إن أرضعن لكم ولدا من غيرهنّ أو منهنّ بعد انقطاع عصمة الزوجية فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ حكمهنّ في ذلك حكم الأظآر «٢»، ولا يجوز عند أبى حنيفة وأصحابه رضى اللّه عنهم الاستئجار إذا كان الولد منهن ما لم يبنّ. ويجوز عند الشافعي. الائتمار بمعنى التآمر، كالاشتوار بمعنى التشاور. يقال : ائتمر القوم وتآمروا، إذا أمر بعضهم بعضا. والمعنى : وليأمر بعضكم بعضا، والخطاب للآباء والأمهات بِمَعْرُوفٍ بجميل وهو المسامحة، وأن لا يماكس الأب ولا تعاسر الأم، لأنه ولدهما معا، وهما شريكان فيه وفي وجوب الإشفاق «٣» عليه وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى فستوجد ولا تعوز مرضعة غير الأم ترضعه، وفيه طرف من معاتبة الأم على المعاسرة، كما تقول لمن تستقضيه حاجة فيتوانى : سيقضيها غيرك «٤»، تريد : لن تبقى غير مقضية وأنت ملوم، وقوله لَهُ أى للأب، أى : سيجد الأب غير معاسرة ترضع له ولده إن عاسرته أمه لِيُنْفِقْ كل واحد من

__
(١). قوله تعالى : أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ إلى قوله : وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ... الآية.
قال أحمد : لا يخفى على المتأمل لهذه الأى أن المبتوتة غير الحامل لا نفقة لها، لأن الآي سيقت لبيان الواجب، فأوجب السكنى لكل معتدة تقدم ذكرها ولم يوجب سواها، ثم استثنى الحوامل فخصهن بإيجاب النفقة لهن حتى يضعن حملهن، وليس بعد هذا البيان بيان، والقول بعد ذلك بوجوب النفقة لكل معتدة مبتوتة حاملا أو غير حامل لا يخفى منافرته لنظم الآية، والزمخشري نصر مذهب أبى حنيفة فقال : فائدة تخصيص الحوامل بالذكر : أن الحمل ربما طال أمده فيتوهم متوهم أن النفقة لا تجب بطوله، فخصت بالذكر تنبيها على قطع هذا الوهم، وغرض الزمخشري بذلك أن يحمل التخصيص على هذه الفائدة، كيلا يكون له مفهوم في إسقاط النفقة لغير الحوامل، لأن أبا حنيفة يسوى بين الجميع في وجوب النفقة.
(٢). قوله «في ذلك حكم الأظآر» الظئر : المرضع لولد غيرها، والجمع : ظؤار، بالضم. وظئور وأظآر، كما في الصحاح. (ع)
(٣). قوله «و في وجوب الإشفاق» كذا عبارة النسفي. (ع)
(٤). قال محمود :«و في قوله وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى معاتبة للأم على المعاسرة، كما تقول لمن تستقضيه حاجة... الخ» قال أحمد : وخص الأم بالمعاتبة لأن المبذول من جهتها هو لبنها لولدها، وهو غير متمول ولا مضنون به في العرف، وخصوصا في الأم على الولد، ولا كذلك المبذول من جهة الأب، فانه المال المضنون به عادة، فالأم إذا أجدى باللوم وأحق بالعتب، واللّه أعلم.


الصفحة التالية
Icon