ظهراؤه؟ فإن قلت : قوله بَعْدَ ذلِكَ تعظيم للملائكة ومظاهرتهم. وقد تقدّمت نصرة اللّه وجبريل وصالح المؤمنين، ونصرة اللّه تعالى أعظم وأعظم. قلت : مظاهرة الملائكة من جملة نصرة اللّه، فكأنه فضل نصرته تعالى بهم وبمظاهرتهم على غيرها من وجوه نصرته تعالى، لفضلهم على جميع خلقه «١». وقرئ : تظاهرا. وتتظاهرا. وتظهرا.
[سورة التحريم (٦٦) : آية ٥]
عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (٥)
قرئ : يبدله، بالتخفيف والتشديد للكثرة مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ مقرّات مخلصات سائِحاتٍ صائمات. وقرئ : سيحات، وهي أبلغ. وقيل للصائم : سائح، لأنّ السائح لا زاد معه، فلا يزال ممسكا إلى أن يجد ما يطعمه، فشبه به الصائم في إمساكه إلى أن يجيء وقت إفطاره. وقيل :
سائحات مهاجرات، وعن زيد بن أسلم : لم تكن في هذه الأمّة سياحة إلا الهجرة. فإن قلت :
كيف تكون المبدلات خيرا منهن، ولم تكن على وجه الأرض نساء خير من أمّهات المؤمنين؟ «٢» قلت : إذا طلقهن رسول اللّه لعصيانهن له وإيذائهن إياه، لم يبقين على تلك الصفة، وكان غيرهن من الموصوفات بهذه الأوصاف مع الطاعة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والنزول على هواه ورضاه خيرا منهن، وقد عرض بذلك في قوله قانِتاتٍ لأنّ القنوت هو القيام بطاعة اللّه، وطاعة اللّه في طاعة رسوله. فإن قلت : لم أخليت الصفات كلها عن العاطف «٣» ووسط بين الثيبات والأبكار؟ قلت : لأنهما صفتان متنافيتان لا يجتمعن فيهما اجتماعهن «٤» في سائر الصفات،

__
(١). قوله «لفضلهم على جميع خلقه» مذهب المعتزلة تفضيل الملك على البشر، وأهل السنة على تفضيل بعض البشر على الملائكة. (ع)
(٢). قوله «نساء خير من أمهات المؤمنين» لعله خيرا. (ع)
(٣). قال محمود :«إن قلت لم أخليت هذه الصفات من العاطف... الخ» قال أحمد : وقد ذكر لي الشيخ أبو عمرو بن الحاجب رحمه اللّه : أن القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني الكاتب رحمه اللّه كان يعتقد أن الواو في الآية هي الواو التي سماها بعض ضعفة النحاة واو الثمانية، لأنها ذكرت مع الصفة الثامنة، فكان الفاضل يتبجج باستخراجها زائدة على المواضع الثلاثة المشهورة صلة، أحدها التي في الصفة الثامنة من قوله التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ عند قوله وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ والثانية في قوله وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ والثالثة في قوله وَفُتِحَتْ أَبْوابُها قال الشيخ أبو عمرو بن الحاجب : ولم يزل الفاضل يستحسن ذلك من نفسه إلى أن ذكره يوما بحضرة أبى الجود النحوي المقري فبين له أنه واهم في عدها من ذلك القبيل، وأحال البيان على المعنى الذي ذكره الزمخشري من دعاء الضرورة إلى الإتيان بها هاهنا، لامتناع اجتماع الصفتين في موصوف واحد، وواو الثمانية إن ثبتت فإنما ترد بحيث لا حاجة إليها إلا للاشعار بتمام نهاية العدد الذي هو السبعة، فأنصفه الفاضل رحمه اللّه، واستحسن ذلك منه وقال : أرشدنا يا أبا الجود.
(٤). قوله «لا يجتمعن فيهما اجتماعهن» لعل فيه قلبا، والأصل : لا يجتمعان فيهن اجتماع سائر الصفات فيهن. (ع)


الصفحة التالية
Icon