وَهُوَ عَلى كُلِّ ما لم يوجد مما يدخل تحت القدرة قَدِيرٌ وذكر اليد مجاز عن الإحاطة بالملك والاستيلاء عليه. والحياة : ما يصح بوجوده الإحساس. وقيل : ما يوجب كون الشيء حيا، وهو الذي يصح منه أن يعلم ويقدر. والموت عدم ذلك «١» فيه، ومعنى خلق الموت والحياة : إيجاد ذلك المصحح وإعدامه. والمعنى : خلق موتكم وحياتكم أيها المكلفون لِيَبْلُوَكُمْ وسمى علم الواقع منهم باختيارهم «بلوى» وهي الخبرة استعارة من فعل المختبر. ونحوه قوله تعالى وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ. فإن قلت : من أين تعلق قوله أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا بفعل البلوى «٢»؟ قلت : من حيث أنه تضمن معنى العلم، فكأنه قيل : ليعلمكم أيكم أحسن عملا، وإذا قلت : علمته أزيد أحسن عملا أم هو؟ كانت هذه الجملة واقعة موقع الثاني من مفعوليه، كما تقول :
علمته هو أحسن عملا. فإن قلت : أتسمى هذا تعليقا؟ قلت : لا، إنما التعليق أن توقع بعده ما يسدّ مسدّ المفعولين جميعا، كقولك : علمت أيهما عمرو، وعلمت أزيد منطلق. ألا ترى أنه لا فصل بعد سبق أحد المفعولين بين أن يقع ما بعده مصدرا بحرف الاستفهام وغير مصدر به، ولو كان تعليقا لا فترقت الحالتان كما افترقتا في قولك : علمت أزيد منطلق. وعلمت زيدا منطلقا. أَحْسَنُ عَمَلًا. قيل : أخلصه وأصوبه، لأنه إذا كان خالصا غير صواب لم يقبل، وكذلك إذا كان صوابا غير خالص، فالخالص : أن يكون لوجه اللّه تعالى، والصواب : أن يكون على السنة. وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه تلاها، فلما بلغ قوله أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا قال :«أيكم أحسن عقلا وأورع عن محارم اللّه وأسرع في طاعة اللّه» «٣» يعنى : أيكم أتم عقلا عن اللّه وفهما لأغراضه، والمراد : أنه أعطاكم الحياة التي تقدرون بها على العمل وتستمكنون منه، وسلط عليكم الموت الذي هو داعيكم إلى اختيار العمل الحسن على القبيح، لأن وراءه البعث والجزاء الذي لا بد منه. وقدم الموت على الحياة، لأنّ أقوى الناس داعيا إلى العمل من نصب موته بين عينيه فقدم لأنه فيما يرجع إلى الغرض المسوق له الآية أهم وَهُوَ الْعَزِيزُ
(١). قال محمود :«أى ما يوجب كون الشيء حيا أو ما يصح بوجوده الاحساس والموت عدم ذلك... الخ» قال أحمد : أخطأ في تفسير الموت ديدنه المعروف أن يفسر ويتبع التفسير آراء القدرية، ومنها قطع اللّه ذكرها :
أن الموت عدم، وهو خطأ صراح. ومعتقد أهل السنة أنه أمر وجودى يضاد الحياة، وكيف يكون العدم بهذه المثابة، ولو كان العدم مخلوقا حادثا وعدم الحوادث مقرر أزلا : للزم قطع الحوادث أزلا، وذلك أبشم من القول بقدم العالم، فانظر إلى هذا الهوى أين مؤداه. وكيف أهوى بصاحبه فأرداه، نعوذ باللّه من الزلل والخطل.
(٢). قال محمود :«أين تعلق قوله أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا بفعل البلوى؟ وأجاب بأن معناه ليعلمكم أيكم أحسن عملا، لأن البلوى تتضمن العلم... الخ» قال أحمد : التعليق عن أحد المفعولين مختلف فيه بين النحاة، والأصح ما أجازه، وهو في هذا الفن يمشى وفيه يدرج ويدرى كيف يدخل فيه ويخرج.
(٣). تقدم الكلام عليه في أول سورة هود.