الخلود، وليس كذلك النبوّة، فإنه لا سبيل إلى أن تكون موجودة أو مقدّرة وقت وجود البشارة بإسحاق لعدم إسحاق. قلت : هذا سؤال دقيق السلك ضيق المسلك، والذي يحل الإشكال :
أنه لا بد من تقدير مضاف محذوف، وذلك قولك : وبشرناه بوجود إسحاق نبيا، أى بأن يوجد مقدّرة نبوّته، فالعامل في الحال الوجود لا فعل البشارة، وبذلك يرجع، نظير قوله تعالى فَادْخُلُوها خالِدِينَ. مِنَ الصَّالِحِينَ حال ثانية، وورودها على سبيل الثناء والتقريظ، لأنّ كل نبى لا بد أن يكون من الصالحين. وعن قتادة : بشره اللّه بنبوّة إسحاق بعد ما امتحنه بذبحه، وهذا جواب من يقول الذبيح إسحاق لصاحبه عن تعلقه بقوله وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ قالوا : ولا يجوز أن يبشره اللّه بمولده ونبوّته معا، لأن الامتحان بذبحه لا يصح مع علمه بأنه سيكون نبيا وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وقرئ : وبركنا، أى : أفضنا عليهما بركات الدين والدنيا، كقوله وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ وقيل : باركنا على إبراهيم في أولاده، وعلى إسحاق بأن أخرجنا أنبياء بنى إسرائيل من صلبه. وقوله وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ نظيره : قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي؟ قالَ : لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ وفيه تنبيه على أن الخبيث والطيب لا يجرى أمرهما على العرق والعنصر، فقد يلد البر الفاجر، والفاجر البر. وهذا مما يهدم أمر الطبائع والعناصر، وعلى أن الظلم في أعقابهما لم يعد عليهما بعيب ولا نقيصة، وأنّ المرء إنما يعاب بسوء فعله ويعاتب على ما اجترحت يداه، لا على ما وجد من أصله أو فرعه.
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ١١٤ إلى ١٢٢]
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (١١٤) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (١١٥) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (١١٦) وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (١١٧) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (١١٨)
وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (١١٩) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (١٢٠) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٢١) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١٢٢)
مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ من الغرق. أو من سلطان فرعون وقومه وغشمهم «١» وَنَصَرْناهُمْ الضمير لهما ولقومهما في قوله وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما. الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ البليغ في بيانه وهو التوراة، كما قال إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ وقال : من جوز أن تكون التوراة
(١). قوله «و غشمهم» في الصحاح «الغشم» : الظلم. (ع) [.....]