وقال ابن الرقيات :
تذهل الشّيخ عن بنيه وتبدى عن خدام العقيلة العذراء «١»
فمعنى يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ في معنى : يوم يشتدّ الأمر ويتفاقم، ولا كشف ثم ولا ساق، كما تقول للأقطع الشحيح : يده مغلولة، ولا يد ثم ولا غل، وإنما هو مثل في البخل.
وأما من شبه فلضيق عطنه «٢» وقلة نظره في علم البيان، والذي غرّه منه حديث ابن مسعود رضى اللّه عنه :«يكشف الرحمن عن ساقه، فأمّا المؤمنون فيخرّون سجدا «٣»، وأما المنافقون فتكون ظهورهم طبقا طبقا كأنّ فيها سفافيد» «٤» ومعناه : يشتد أمر الرحمن ويتفاقم هوله، وهو الفزع الأكبر يوم القيامة، ثم كان من حق الساق أن تعرف على ما ذهب إليه المشبه، لأنها ساق مخصوصة معهودة عنده وهي ساق الرحمن. فإن قلت : فلم جاءت منكرة في التمثيل؟ قلت :
للدلالة على أنه أمر مبهم في الشدة منكر خارج عن المألوف، كقوله يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ كأنه قيل : يوم يقع أمر فظيع هائل، ويحكى هذا التشبيه عن مقاتل : وعن أبى عبيدة : خرج من خراسان رجلان، أحدهما : شبه حتى مثل، وهو مقاتل بن سليمان، والآخر نفى حتى عطل
(١) كيف نومى على الفراش ولما تشمل الشام غارة شعواء
تذهل الشيخ عن بنيه وتبدى عن خدام العقيلة العذراء
لعبيد بن قيس الرقيات. وكيف استفهام إنكارى، بمعنى نفى النوم. ولما بمعنى لم، إلا أن فيها استمرار النفي إلى زمن التكلم وتوقيع الوقوع بعده. وشبه الغارة وهي الحرب بماله إحاطة وشمول على طريق المكنية، والشمول تخييل، والشعواء الغاشية المنتشرة، وإذهالها للشيخ عن بنيه : كناية عن اشتدادها، وكذلك كشفها عن خدام العقيلة، والخدام : الخلخال. وعقيلة كل شيء : أكرمه. ومن النساء المخدرة التي عقلت في خدرها. والعذراء :
التي يتعذر نوالها ويشق وصالها. وفيه الاقواء، وهي اختلاف الروى بالضم والكسر. ويروى برفع العقيلة العذراء على أنه فاعل تبدى، وجعله ابن جرير شاهدا على جواز حذف التنوين إذا تلاه ساكن، وإن كان الكثير تحريكه حينئذ، وعلى هذا فتحتاج هذه الجملة إلى رابط يعود على المنعوت وهو غارة، والتقدير : وتبدى فيها العقيلة عن خلخال.
(٢). «قوله وأما من شبه فلضيق عطنه» أى من قال بمذهب المشبهة على ما هو مقرر في علم الكلام، كما سيشير إليه بعد. (ع)
(٣). أخرجه الحاكم من طريق سلمة بن كهيل عن أبى الزعراء عن ابن مسعود في أثناء حديث طويل ليس فيه تصريح برفعه. ورواه للطبري مختصرا.
(٤). قوله «كأن فيها السفافيد» واحدها سفود بالتشديد، وهي حديدة يشوى بها اللحم. أفاده الصحاح. (ع)