قوله لِلْكافِرينَ؟ قلت : هو على القول الأوّل متصل بعذاب صفة له، أى : بعذاب واقع كائن للكافرين، أو بالفعل، أى : دعا للكافرين بعذاب واقع. أو بواقع، أى : بعذاب نازل لأجلهم، وعلى الثاني : هو كلام مبتدأ جواب للسائل، أى : هو للكافرين. فإن قلت :
فقوله مِنَ اللَّهِ بم يتصل؟ قلت : يتصل بواقع، أى واقع من عنده، أو بدافع، بمعنى :
ليس له دافع من جهته إذا جاء وقته وأوجبت الحكمة وقوعه ذِي الْمَعارِجِ ذى المصاعد جمع معرج، ثم وصف المصاعد وبعد مداها في العلو والارتفاع فقال : تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ إلى عرشه وحيث تهبط منه أوامره فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ كمقدار مدة خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مما يعد الناس. والروح. جبريل عليه السلام، أفرده لتميزه بفضله. وقيل : الروح خلق هم حفظة على الملائكة، كما أنّ الملائكة حفظة على الناس. فإن قلت. بم يتعلق قوله فَاصْبِرْ؟ قلت : بسأل سائل، لأنّ استعجال النصر بالعذاب إنما كان على وجه الاستهزاء برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والتكذيب بالوحي، وكان ذلك مما يضجر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأمر بالصبر عليه، وكذلك من سأل عن العذاب لمن هو، فإنما سأل على طريق التعنت، وكان من كفار مكة. ومن قرأ : سال سائل، أو سيل، فمعناه : جاء العذاب لقرب وقوعه، فاصبر فقد شارفت الانتقام، وقد جعل فِي يَوْمٍ من صلة واقِعٍ أى : يقع في يوم طويل مقداره خمسون ألف سنة من سنيكم، وهو يوم القيامة : إما أن يكون استطالة له لشدّته على الكفار، وإما لأنه على الحقيقة كذلك. قيل : فيه خمسون موطنا كل موطن ألف سنة، وما قدر ذلك على المؤمن إلا كما بين الظهر والعصر. الضمير في يَرَوْنَهُ للعذاب الواقع، أو ليوم القيامة فيمن علق فِي يَوْمٍ بواقع، أى : يستبعدونه على جهة الإحالة وَنحن نَراهُ قَرِيباً هينا في قدرتنا غير بعيد علينا ولا متعذر، فالمراد بالبعيد : البعيد من الإمكان، وبالقريب :
القريب منه. نصب يَوْمَ تَكُونُ بقريبا، أى : يمكن ولا يتعذر في ذلك اليوم. أو بإضمار يقع، لدلالة واقِعٍ عليه. أو يوم تكون السماء كالمهل. كان كيت وكيت. أو هو بدل عن فِي يَوْمٍ فيمن علقه بواقع كَالْمُهْلِ كدردىّ الزيت. وعن ابن مسعود : كالفضة المذابة في تلوّنها كَالْعِهْنِ كالصوف المصبوغ ألوانا، لأنّ الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، فإذا بست وطيرت في الجو : أشبهت العهن المنفوش إذا طيرته الريح وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً أى لا يسأله بكيف حالك ولا يكلمه، لأن بكل أحد ما يشغله عن المساءلة يُبَصَّرُونَهُمْ أى يبصر الأحماء الأحماء، فلا يخفون عليهم، «١» فما يمنعهم من المساءلة أنّ

__
(١). قال محمود :«معناه يبصر الأصدقاء أصدقاءهم فيعرفونهم... الخ» قال أحمد : وفيه دليل على أن الفاعل والمفعول الواقعين في سياق النفي يعم، كما التزم في : واللّه لا أشرب ماء من إداوة : أنه عام في المياه والأدوات، خلافا لبعضهم في الأدوات.


الصفحة التالية
Icon