[سورة المعارج (٧٠) : الآيات ١٩ إلى ٣٥]

إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (٢١) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (٢٣)
وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (٢٦) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٢٧) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (٢٨)
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٢٩) إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٣٠) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٣١) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٣٢) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (٣٣)
وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٣٤) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (٣٥)
أريد بالإنسان الناس، فلذلك استثنى منه إلا المصلين. والهلع : سرعة الجزع عند مسّ المكروه وسرعة المنع عند مسّ الخير، من قولهم : ناقة هلواع سريعة السير. وعن أحمد بن يحيى قال لي محمد بن عبد اللّه بن طاهر : ما الهلع؟ فقلت : قد فسره اللّه، ولا يكون تفسير أبين من تفسيره، وهو الذي إذا ناله شر أظهر شدّة الجزع، وإذا ناله خير بخل به ومنعه الناس.
والخير : المال والغنى، والشرّ : الفقر. أو الصحة والمرض : إذا صحّ الغنى منع المعروف وشحّ بماله، وإذا مرض جزع وأخذ يوصى. والمعنى : إن الإنسان لإيثاره الجزع والمنع وتمكنهما منه ورسوخهما فيه، كأنه مجبول عليهما مطبوع «١»، وكأنه أمر خلقي وضروري غير اختيارى، كقوله تعالى خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ والدليل عليه أنه حين كان في البطن والمهد لم يكن به هلع، ولأنه ذمّ واللّه لا يذمّ فعله، والدليل عليه : استثناء المؤمنين الذين جاهدوا أنفسهم وحملوها على المكاره وظلّفوها عن الشهوات، «٢» حتى لم يكونوا جازعين ولا مانعين. وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم «شرّ ما أعطى ابن آدم شحّ هالع وجبن «٣» خالع» فإن قلت : كيف قال عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ ثم على صلاتهم يحافظون؟ قلت : معنى دوامهم عليها أن يواظبوا على أدائها لا يخلون بها ولا يشتغلون عنها بشيء من الشواغل، كما روى عن النبي صلى اللّه عليه
__
(١). قال محمود :«المعنى أن الإنسان لايثاره الجزع والمنع ورسوبهما فيه كأنه... الخ» قال أحمد : هو يشرك باطنا وينزه ظاهرا، فينفى كون الهلع الذي هو موجود للآدمي مخلوقا للّه تعالى تنزيها له عن ذلك، ويثبت خالقا مع اللّه، ويتغافل عن اقتضاء نظم الآية لذلك، فإنك إذا قلت : بريت القلم رقيقا، فقد نسبت إليك الحال وهو ترقيقه، كما نسب إليك البرى، وكذلك الآية. وأما قوله : واللّه لا يذم خلقه، فاللّه تعالى له الحمد على كل حال، وإنما المذموم العبد بحجة أنه جعل فيه اختيارا يفرق بالضرورة بين الاختياريات والقسريات ألا للّه الحجة البالغة واللّه أعلم.
(٢). قوله :«و ظلفوها عن الشهوات» في الصحاح : ظلف نفسه عن الشيء، أى : منعها من أن تفعله أو تأتيه. (ع)
(٣). أخرجه أبو داود وابن حبان وأحمد وإسحاق والبزار كلهم من طريق عبد العزيز بن مروان : سمعت أبا هريرة بهذا، لكن قال «شر ما في الرجل»


الصفحة التالية
Icon