منصوب بدعوتهم، نصب المصدر لأنّ الدعاء أحد نوعيه الجهار، فنصب به نصب القرفصاء بقعد، لكونها أحد أنواع القعود. أو لأنه أراد بدعوتهم جاهرتهم. ويجوز أن يكون صفة لمصدر دعا، بمعنى دعاء جهارا، أى : مجاهرا به. أو مصدرا في موضع الحال، أى : مجاهرا.
أمرهم بالاستغفار الذي هو التوبة عن الكفر والمعاصي، وقدّم إليهم الموعد بما هو أوقع في نفوسهم وأحبّ إليهم من المنافع الحاضرة والفوائد العاجلة، ترغيبا في الإيمان وبركاته والطاعة ونتائجها من خير الدارين، كما قال وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ، وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ، وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ، وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ وقيل : لما كذبوه بعد طول تكرير الدعوة : حبس اللّه عنهم القطر وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة. وروى : سبعين.
فوعدهم أنهم إن آمنوا رزقهم اللّه تعالى الخصب ودفع عنهم ما كانوا فيه. وعن عمر رضى اللّه عنه : أنه خرج يستسقى، فما زاد على الاستغفار، فقيل له : ما رأيناك استسقيت! فقال : لقد استسقيت بمجاديح السماء التي يستنزل بها القطر «١». شبه الاستغفار بالأنواء الصادقة التي لا تخطئ.
وعن الحسن : أنّ رجلا شكا إليه الجدب فقال. استغفر اللّه، وشكا إليه آخر الفقر، وآخر قلة النسل، وآخر قلة ريع أرضه، فأمرهم كلهم بالاستغفار، فقال له الربيع بن صبيح : أتاك رجال يشكون أبوابا ويسألون أنواعا، فأمرتهم كلهم بالاستغفار! فتلا له هذه الآية. والسماء :
المظلة لأنّ المطر منها ينزل إلى السحاب، ويجوز أن يراد السحاب أو المطر، من قوله.
إذا نزل السّماء بأرض قوم «٢»
والمدرار : الكثير الدرور، ومفعال مما يستوي فيه المذكر والمؤنث، كقولهم : رجل أو امرأة معطار ومتفال جَنَّاتٍ بساتين لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً لا تأملون له توقيرا أى تعظيما.
والمعنى ما لكم لا تكونون على حال تأملون فيها تعظيم اللّه إياكم في دار الثواب «٣»، لِلَّهِ بيان للموقر،
(١). أخرجه عبد الرزاق وابن أبى شيبة والطبراني في الدعاء والطبري وغيرهم من رواية الشعبي : أن عمر...
بهذا وزاد : ثم قرأ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً ورجاله ثقات، إلا أنه منقطع.
(٢) إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا
تطلق السماء على المظلة، وعلى السحاب، وعلى المطر كما هنا، لما فيه من السمو والارتفاع، وتطلق على النبات مجازا، لأن المطر سببه، فلذلك قال : رعيناه، ففي الكلام استخدام، حيث أطلق السماء بمعنى، وأعاد عليها الضمير بمعنى آخر، والغضاب : جمع غضبان والمعنى : أننا شجعان دون غيرنا.
(٣). قال محمود :«ما لكم لا تكونون على حال يكون فيها تعظيم اللّه تعالى... الخ» قال أحمد : وهذا التفسير يبقى الرجاء على بابه الخ.