قُلْ للمتظاهرين عليه «١» إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي يريد : ما أتيتكم بأمر منكر، إنما أعبد ربى وحده وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً وليس ذاك مما يوجب إطباقكم على مقتى وعداوتي. أو قال للجن عند ازدحامهم متعجبين : ليس ما ترون من عبادتي اللّه ورفضى الإشراك به بأمر يتعجب منه، إنما يتعجب ممن يدعو غير اللّه ويجعل له شريكا. أو قال الجن لقومهم ذلك حكاية عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وَلا رَشَداً ولا نفعا. أو أراد بالضر : الغىّ، ويدل عليه قراءة أبىّ «غيا ولا رشدا» والمعنى : لا أستطيع أن أضركم وأن أنفعكم، إنما الضارّ والنافع اللّه «٢». أو لا أستطيع أن أقسركم على الغىّ والرشد، إنما القادر على ذلك اللّه عز وجل :
وإِلَّا بَلاغاً استثناء منه. أى لا أملك إلا بلاغا من اللّه «٣». وقُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي جملة معترضة اعترض بها لتأكيد نفى الاستطاعة عن نفسه وبيان عجزه، على معنى أنّ اللّه إن أراد به سوءا من مرض أو موت أو غيرهما : لم يصح أن يجيره منه أحد أو يجد من دونه ملاذا يأوى إليه :
والملتحد الملتجأ، وأصله المدّخل، من اللحد. وقيل : محيصا ومعدلا. وقرئ : قال لا أملك،
(١). قوله «قال للمتظاهرين عليه» هذه قراءة غير عاصم وحمزة، كذا في النسفي، وهو يفيد أن قراءتهما قُلْ بصيغة الأمر، كأنه سقط من كلام المصنف ذكر هذه القراءة فليحرر.
(٢). قال محمود :«معناه أى لا أستطيع أن أنفعكم أو أضركم إنما النافع والضار اللّه عز وجل... الخ» قال أحمد : في الآية دليل بين على أن اللّه تعالى هو الذي يملك لعباده الرشد والغى أى يخلقهما لا غير، فان النبي صلى اللّه عليه وسلم إنما سلب ذلك عن قدر» ليمحض إضافته إلى قدرة اللّه وحده، وفطن الزمخشري لذلك فأخذ يعمل الحبل، فتارة يحمل الرشد على مطلق النفع، فيضيف ذلك إلى اللّه تعالى، وتارة يكنع عنه لأن فيه إبطالا لخصوصية الرشد المنصوص عليه في الآية، فيثور له من تقليده الرأى الفاسد ثوائر تصرفه عن الحق وعن اعتقاد أن اللّه تعالى هو الذي يخلق الرشد لعبيده مقارنا لاختيارهم، فيدخل زيادة القسر، لأن معنى ما ورد من إضافة الرشد إلى قدرة انه تعالى عندهم أنه يخلق أن يخضع لها الرقاب، فيخلق العبد لنفسه عند ظهورها رشدا. فيضاف إلى قدرة اللّه تعالى، لأنه خلق السبب وهو في الحقيقة مخلوق بقدرة العبد «هذه قاعدة القدرية وعقيدتهم، وما الجن بعد هذا إلا أوفر منهم عقلا وأسد منهم نظرا، لأنهم قالوا : وأنا لا ندرى أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا، فأضافوا الرشد نفسه إلى إرادة اللّه عز وجل وقدرته.
(٣). قال محمود :«هو اعتراض. وقوله إِلَّا بَلاغاً استثناء من قوله لا أَمْلِكُ أى لا أملك لكم إلا بلاغا.
وقيل بلاغا يدل من ملتحدا... الخ» قال أحمد : فيكون تقدير الكلام : بلاغا من اللّه مستفادا من قوله قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً.