[سورة المدثر (٧٤) : الآيات ٦ إلى ٧]
وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧)قرأ الحسن : ولا تمنّ. وتستكثر، مرفوع منصوب المحل على الحال، أى : ولا تعط مستكثرا رائيا لما تعطيه كثيرا، أو طالبا للكثير : نهى عن الاستغزار : وهو أن يهب شيئا وهو يطمع أن يتعوّض من الموهوب له أكثر من الموهوب، وهذا جائز. ومنه الحديث «المستغزر يثاب من هبته» «١» وفيه وجهان، أحدهما : أن يكون نهيا خاصا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :
لأنّ اللّه تعالى اختار له أشرف الآداب وأحسن الأخلاق. والثاني : أن يكون نهى تنزيه لا تحريم له ولأمّته. وقرأ الحسن : تستكثر، بالسكون. وفيه ثلاثة أوجه، الإبدال من تمنن. كأنه قيل : ولا تمنن لا تستكثر، على أنه من المنّ في قوله عز وجل ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لأنّ من شأن المنان بما يعطى أن يستكثره، أى : يراه كثيرا ويعتدّ به، وأن يشبه ثرو بعضد، فيسكن تخفيفا، وأن يعتبر حال الوقف. وقرأ الأعمش بالنصب بإضمار «أن» كقوله :
ألا أيّهذا الزّاجرى أحضر الوغى «٢»
وتؤيده قراءة ابن مسعود : ولا تمنن أن تستكثر. ويجوز في الرفع أن تحذف «أن» ويبطل عملها، كما روى : أحضر الوغى بالرفع، وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ولوجه اللّه، فاستعمل الصبر. وقيل :
على أذى المشركين. وقيل : على أداء الفرائض. وعن النخعي : على عطيتك، كأنه وصله بما قبله، وجعله صبرا على العطاء من غير استكثار. والوجه أن يكون أمرا بنفس الفعل، وأن يتناول على العموم كل مصبور عليه ومصبور عنه، ويراد الصبر على أذى الكفار، لأنه أحد ما يتناوله العام.
[سورة المدثر (٧٤) : الآيات ٨ إلى ١٠]
فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠)
والغاء في قوله فَإِذا نُقِرَ للتسبيب، كأنه قال : اصبر على أذاهم، فبين أيديهم يوم عسير يلقون فيه عاقبة أذاهم، وتلقى فيه عاقبة صبرك عليه. والفاء في فَذلِكَ للجزاء. فإن قلت :
بم انتصب إذا، وكيف صح أن يقع يَوْمَئِذٍ ظرفا ليوم عسير؟ قلت : انتصب إذا بما دلّ
__
(١). تقدم في الروم من قول شريح.
(٢). تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ١٥٩ فراجعه إن شئت اه مصححه.
(١). تقدم في الروم من قول شريح.
(٢). تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ١٥٩ فراجعه إن شئت اه مصححه.