كأنه قال : رهن رمس. والمعنى : كل نفس رهن بكسبها عند اللّه غير مفكوك إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ فإنهم فكوا عنه رقابهم بما أطابوه من كسبهم، كما يخلص الراهن رهنه بأداء الحق. وعن على رضى اللّه عنه أنه فسر أصحاب اليمين بالأطفال، لأنهم لا أعمال لهم يرتهنون بها. وعن ابن عباس رضى اللّه عنه : هم الملائكة فِي جَنَّاتٍ أى هم في جنات لا يكتنه وصفها يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ يسأل بعضهم بعضا عنهم «١». أو يتساءلون غيرهم عنهم، كقولك : دعوته وتداعيناه. فإن قلت : كيف طابق قوله ما سَلَكَكُمْ وهو سؤال للمجرمين : قوله يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ وهو سؤال عنهم؟ وإنما كان يتطابق ذلك لو قيل : يتساءلون المجرمين ما سلككم قلت : ما سلككم ليس ببيان للتساؤل عنهم، وإنما هو حكاية قول المسئولين عنهم، لأنّ المسئولين يلقون إلى السائلين ما جرى بينهم وبين المجرمين، فيقولون : قلنا لهم ما سلككم فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ إلا أن الكلام جيء به على الحذف والاختصار، كما هو نهج التنزيل في غرابة نظمه. الخوض : الشروع في الباطل وما لا ينبغي. فإن قلت : لم يسألونهم وهم عالمون بذلك قلت : توبيخا لهم وتحسيرا، وليكون حكاية اللّه ذلك في كتابه تذكرة للسامعين. وقد عضد بعضهم تفسير أصحاب اليمين بالأطفال : أنهم «٢» إنما سألوهم لأنهم ولدان لا يعرفون موجب دخول النار. فإن قلت : أيريدون أنّ كل واحد منهم بمجموع هذه الأربع دخل النار، أم دخلها بعضهم بهذه وبعضهم بهذه؟ قلت : يحتمل الأمرين جميعا. فإن قلت : لم أخر التكذيب وهو أعظمها؟ قلت : أرادوا أنهم بعد ذلك كله كانوا مكذبين بيوم الدين تعظيما للتكذيب. كقوله ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا والْيَقِينُ الموت ومقدماته، أى : لو شفع لهم الشافعون جميعا من الملائكة والتبيين وغيرهم لم تنفعهم شفاعتهم، لأنّ الشفاعة لمن ارتضاه اللّه وهم مسخوط عليهم.
وفيه دليل على أنّ الشفاعة تنفع يومئذ، لأنها تزيد في درجات المرتضين.
(١). قال محمود :«يتساءلون يعنى يسأل بعضهم بعضا عنهم... الخ» قال أحمد : إنما أورد السؤال ذريعة وحيلة لتحميل الآية الدلالة على أن فساق المسلمين تاركي الصلاة مثلا، يسلكون في النار مخلدين مع الكفار، فجعل كل واحدة من الخلال الأربع توجب ما توجب الأخرى من الخلود. والصحيح في معنى الآية أنها خاصة بالكفار.
ومعنى قولهم لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ : لم نك من أهل الصلاة، وكذلك إلى آخرها، لأنهم يكذبون بيوم الدين، والمكذب لا يصح منه طاعة من هذه الطاعات، ولو فعلها لم تنفعه وقدرت كالعدم، وإنما يتأسفون على ترك فعل هو نافع لهم.
(٢). قوله «أنهم» لعله : بأنهم. (ع)