وردّ له قبل القسم، كأنهم أنكروا البعث فقيل : لا، أى ليس الأمر على ما ذكرتم، ثم قيل :
أقسم بيوم القيامة. فإن قلت : قوله تعالى فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ والأبيات التي أنشدتها : المقسم عليه فيها منفي، فهلا زعمت أنّ «لا» التي قبل القسم زيدت موطئة النفي بعده ومؤكدة له، وقدرت المقسم عليه المحذوف هاهنا منفيا، كقولك لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ، لا تتركون سدى؟
قلت : لو قصر الأمر على النفي دون الإثبات لكان لهذا القول ماغ، ولكنه لم يقصر. ألا ترى كيف لقى لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ بقوله لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وكذلك فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ بقوله إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ وقرئ : لأقسم، على أنّ اللام للابتداء. وأقسم خبر مبتدإ محذوف، معناه : لأنا أقسم. قالوا : ويعضده أنه في الإمام بغير ألف بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ بالنفس المتقية التي تلوم النفوس فيه أى في يوم القيامة على تقصيرهن في التقوى أو بالتي لا تزال تلوم نفسها وإن اجتهدت في الإحسان. وعن الحسن : إن المؤمن لا تراه إلا لائما نفسه، وإنّ الكافر يمضى قدما لا يعاتب نفسه «١». وقيل : هي التي تتلوّم يومئذ على ترك الازدياد إن كانت محسنة.
وعلى التفريط إن كانت مسيئة. وقيل : هي نفس آدم، لم تزل تتلوم على فعلها الذي خرجت به من الجنة. وجواب القسم ما دل عليه قوله أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ وهو لتبعثن. وقرأ قتادة : أن لن نجمع عظامه، على البناء للمفعول. والمعنى : نجمعها بعد تفرقها ورجوعها رميما ورفاتا مختلطا بالتراب، وبعد ما سفتها الرياح وطيرتها في أباعد الأرض. وقيل إن عدى ابن أبى ربيعة ختن الأخنس بن شريق «٢» وهما اللذان كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول فيهما :«اللهم اكفني جارى السوء» «٣» قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : يا محمد حدثني عن يوم القيامة متى يكون وكيف أمره؟ فأخبره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال :
لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك يا محمد ولم أو من به أو يجمع اللّه العظام، فنزلت بَلى أوجبت ما بعد النفي وهو الجمع، فكأنه قيل بَلى نجمعها. وقادِرِينَ حال من الضمير في نجمع، أى : نجمع العظام قادرين على تأليف جميعها وإعادتها إلى التركيب الأول، إلى أن نسوى بنانه أى : أصابعه التي هي أطرافه، وآخر ما يتم به خلقه. أو على أن نسوى بنانه ونضم سلامياته على صغرها ولطافتها بعضها إلى بعض كما كانت أولا من غير نقصان ولا تفاوت، فكيف بكبار العظام. وقيل : معناه بلى نجمعها ونحن قادرون على أن نسوى أصابع يديه

__
(١). قوله :«و أن الكافر يمضى قدما لا يعاتب» في الصحاح مضى قدما - بضم الدال - : لم يعرج ولم ينثن اه. (ع)
(٢). قوله «ختن الأخنس بن شريق» في الصحاح «الختن» بالتحريك : كل من كان من قبل المرأة مثل الأب والأخ، وعند العامة : ختن الرجل زوج ابنته. (ع)
(٣). ذكره الثعلبي والبغوي، والواحدي بغير إسناد. [.....]


الصفحة التالية
Icon