ص : ٦٦٢
بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ كأنه قال : بل أنتم يا بنى آدم لأنكم خلقتم من عجل وطبعتم عليه تعجلون في كل شيء، ومن ثم تحبون العاجلة وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ وقرئ بالياء وهو أبلغ. فإن قلت : كيف اتصل قوله لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ
إلى آخره، بذكر القيامة؟ قلت : اتصاله به من جهة هذا للتخلص منه، إلى التوبيخ بحب العاجلة وترك الاهتمام بالآخرة. الوجه : عبارة عن الجملة «١». والناضرة :
من نضرة النعيم إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ تنظر إلى ربها خاصة لا تنظر إلى غيره، وهذا معنى تقديم المفعول. ألا ترى إلى قوله إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ
، إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ، إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ، وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ كيف دلّ فيها التقديم على معنى الاختصاص، ومعلوم أنهم ينظرون إلى أشياء لا يحيط بها الحصر ولا تدخل تحت العدد في محشر يجتمع فيه الخلائق كلهم، فإنّ المؤمنين نظارة ذلك اليوم لأنهم الآمنون الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فاختصاصه بنظرهم إليه لو كان منظورا «٢» إليه :
محال، فوجب حمله على معنى يصح معه الاختصاص، والذي يصح معه أن يكون من قول الناس : أنا إلى فلان ناظر ما يصنع بى، تريد معنى التوقع والرجاء. ومنه قول القائل :
وإذا نظرت إليك من ملك والبحر دونك زدتني نعما «٣»
وسمعت سروية مستجدية بمكة وقت الظهر حين يغلق الناس أبوابهم، ويأوون إلى مقائلهم. تقول :
عيينتى نويظرة إلى اللّه وإليكم، والمعنى : أنهم لا يتوقعون النعمة والكرامة إلا من ربهم، كما كانوا في الدنيا لا يخشون ولا يرجون إلا إياه، والباسر : الشديد العبوس، والباسل : أشد
(١). قال محمود :«الوجوه كناية عن الجملة، وقدم إلى ربها ليفيد الحصر... الخ» قال أحمد : ما أقصر لسانه عند هذه الآية، فكم له يدندن ويطبل في جحد الرؤية ويشقق القباء ويكثر ويتعمق، فلما فغرت هذه الآية فاه :
صنع في مصادمتها بالاستدلال، على أنه لو كان المراد الرؤية لما انحصرت بتقديم المفعول، لأنها حينئذ غير منحصرة على تقدير رؤية اللّه تعالى، وما يعلم أن المتمتع برؤية جمال وجه اللّه تعالى لا يصرف عنه طرفه، ولا يؤثر عليه غيره، ولا يعدل به عز وعلا منظورا سواه، وحقيق له أن يحصر رؤيته إلى من ليس كمثله شيء، ونحن نشاهد العاشق في الدنيا إذا أظفرته برؤية محبوبه لم يصرف عنه لحظه، ولم يؤثر عليه، فكيف بالمحب للّه عز وجل إذا أحظاه النظر إلى وجهه الكريم، نسأل اللّه العظيم أن لا يصرف عنا وجهه، وأن يعيذنا عن مزالق البدعة ومزلات الشبهة، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
(٢). قوله «لو كان منظورا إليه» عدم كونه منظور إليه تعالى مبنى على مذهب المعتزلة، وهو عدم جواز رؤيته تعالى. ومذهب أهل السنة جوازها. ويجوز أن يكون تقديم المفعول هنا للاهتمام بذكر المنظور إليه، الذي يقتضى النظر إليه نضرة وجوه الناظرين، لا للاختصاص. (ع)
(٣). يقول : وإذا رجوت مكارمك زدتني نعما فالنظر إليه كناية عن ذلك. ويجوز أن المعنى : بمجرد نظري إليك تجيبني فوق مسئولى، ولا تحتاج إلى التصريح بالطلب. ومن ملك : تمييز مقترن بمن. والبحر دونك : جملة اعتراضية أو حالية، أى : أقل منك في الخيرات والمكارم.