في إِمَّا وهي قراءة حسنة. والمعنى : أما شاكرا فبتوفيقنا، وأما كفورا فبسوء اختياره «١»
[سورة الإنسان (٧٦) : آية ٤]
إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً (٤)
ولما ذكر الفريقين أتبعهما الوعيد والوعد. وقرئ : سلاسل، غير منون. وسلاسلا، بالتنوين «٢». وفيه وجهان : أحدهما أن تكون هذه النون بدلا من حرف الإطلاق، ويجرى الوصل مجرى الوقف. والثاني : أن يكون صاحب القراءة به ممن ضرى برواية الشعر ومرن لسانه على صرف غير المنصرف.
[سورة الإنسان (٧٦) : الآيات ٥ إلى ١٠]
إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (٥) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (٦) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (٧) وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (٨) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (٩)
إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (١٠)
الْأَبْرارَ جمع برّ أو بارّ، كرب وأرباب، وشاهد وأشهاد. وعن الحسن : هم الذين لا يؤذون الذرّ «٣». والكأس : الزجاجة إذا كانت فيها خمر، وتسمى الخمر نفسها : كأسا مِزاجُها ما تمزج به كافُوراً ماء كافور، وهو اسم عين في الجنة ماؤها في بياض الكافور «٤» ورائحته
(١). قوله «فيسوء اختياره» هذا على مذهب المعتزلة أنه تعالى لا يخلق الشر، أما عند أهل السنة فهو خالق الخير والشر، كالشكر والكفر. (ع)
(٢). قال محمود :«قرئ بتنوين سلاسل فوجهه أن تكون هذه النون بدلا من ألف الإطلاق... الخ» قال أحمد : وهذا من الطراز الأول لأن معتقده أن القراءة المستفيضة غير موقوفة على النقل المتواتر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في تفاصيلها، وأنها موكولة إلى اجتهاد القراء واختيارهم بمقتضى نظرهم كما مر له، وطم على ذلك هاهنا فجعل تنوين سلاسل من قبيل الغلط الذي يسبق إليه اللسان في غير موضعه لتمرنه عليه في موضعه، والحق أن جميع الوجوه المستفيضة منقولة تواترا عنه صلى اللّه عليه وسلم، وتنوين هذا على لغة من يصرف في نثر الكلام جميع ما لا ينصرف إلا أفعل، والقراآت مشتملة على اللغات المختلفة، وأما قوارير قوارير : فقرئ بترك تنوينهما وهو الأصل، وتنوين الأول خاصة بدلا من ألف الإطلاق لأنها فاصلة، وتنوين الثانية كالأولى اتباعا لها، ولم يقرأ أحد بتنوين الثانية وترك تنوين الأولى، فانه عكس أن يترك تنوين الفاصلة مع الحاجة إلى المجانسة، وتنوين غيرها من غير حاجة.
(٣). قوله «لا يؤذون الذر» في الصحاح «الذر» النمل. (ع)
(٤). قال محمود :«كافورا عين في الجنة اسمها كذلك في لون الكافور ورائحته وبرده... الخ» قال أحمد : هذا الجواب على القولين الأولين، وأما على القولين الآخرين وهو أن العين بدل من الكأس. ومعنى مزاجها بالكافور :
إما اشتمالها على أوصافه، وإما أن يكون الكافور المعهود كما تقدم، فلا يتم الجواب المذكور، فيجاب عن السؤال بأنه لما ذكر الشراب أولا باعتبار الوقوع في الوجود، ذكره ثانيا مطمئنا للالتذاذ به، وكأنه قال : فيشربون منها فيلتذون بها، وعليه حمله أبو عبيدة.