هذِهِ إشارة إلى السورة أو إلى الآيات القريبة فَمَنْ شاءَ فمن اختار الخير لنفسه وحسن العاقبة واتخاذ السبيل إلى اللّه عبارة عن التقرب إليه والتوسل بالطاعة وَما تَشاؤُنَ الطاعة «١» إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ بقسرهم عليها «٢» إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً بأحوالهم وما يكون منهم حَكِيماً حيث خلقهم مع علمه بهم. وقرئ : تشاؤن، بالتاء. فإن قلت : ما محل أَنْ يَشاءَ اللَّهُ؟ قلت النصب على الظرف، وأصله : إلا وقت مشيئة اللّه، وكذلك قراءة ابن مسعود : إلا ما يشاء اللّه. لأنّ ما مع الفعل كأن معه يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ هم المؤمنون ونصب الظَّالِمِينَ بفعل يفسره. أعدّ لهم، نحو : أوعد وكافأ، وما أشبه ذلك. قرأ ابن مسعود : وللظالمين، على : وأعدّ للظالمين وقرأ ابن الزبير : والظالمون على الابتداء، وغيرها أولى لذهاب الطباق بين الجملة المعطوفة والمعطوف عليها فيها، مع مخالفتها للمصحف.
عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«من قرأ سورة هل أتى كان جزاؤه على اللّه جنة وحريرا» «٣».

__
(١). قال محمود :«معناه وما تشاؤن الطاعة إلا أن يشاء اللّه... الخ» قال أحمد : وهذا من تحريفاته للنصوص وتسوره على خزائن الكتاب العزيز، كدأب الشطار واللصوص، فلنقطع يد حجته التي أعدها، وذلك حكم هذه السرقة وحدها، فنقول : اللّه تعالى نفى وأثبت على سبيل الحصر الذي لا حصر ولا نصر أوضح منه. ألا ترى أن كلمة التوحيد اقتصر بها على النفي والإثبات، لأن هذا النظم أعلق شيء بالحصر وأدله عليه، فنفى اللّه تعالى أن يفعل العبد شيئا له فيه اختيار ومشيئة، إلا أن يكون اللّه تعالى قد شاء ذلك الفعل، فمقتضاه ما لم يشأ اللّه وقوعه من العبد لا يقع من العبد، وما شاء منه وقوعه وقع، وهو رديف : ما شاء اللّه كان وما لم يشأ لم يكن، وانظر إدخاله القسر في تعطيل الآية لا تأويلها كيف ناقض به، فان معنى الآية عنده : أن مشيئة العبد الفعل لا تكون إلا إذا قسره اللّه عليها، والقسر مناف للمشيئة، فصار الحاصل أن مشيئة العبد لا توجد إلا إذا انتفت، فإذا لا مشيئة للعبد البتة ولا اختيار، وما هو إلا فر من إثبات قدرة للعبد غير مؤثرة ومشيئة غير خالقة، ليتم له إثبات قدرة ومشيئة مؤثرين، فوقع في سلب القدرة والمشيئة أصلا ورأسا، وحيث لزم الحيد عن الاعتزال : انحرف بالكلية إلى الطرف الأقصى متحيزا إلى الجبر، فيا بعد ما توجه بسوء نظره. واللّه الموفق.
(٢). قوله «إلا أن يشاء اللّه أن بقسرهم عليها» إرادته تعالى تستلزم وجود المراد، ولكن لا تستلزم كون العبد مقسورا ومجبورا على الفعل إلا عند المعتزلة. وأما أهل السنة فقد أثبتوا للعبد للكسب، مع كون اللّه هو الخالق لفعل عندهم، وتفصيل ذلك في التوحيد. (ع)
(٣). أخرجه الثعلبي والواحدي وابن مردويه بأسانيدهم إلى أبى بن كعب.


الصفحة التالية
Icon