لذكر لك ولقومك. أو الذكرى والموعظة، أو ذكر ما يحتاج إليه في الدين من الشرائع وغيرها، كأقاصيص الأنبياء والوعد والوعيد. والتنكير في عِزَّةٍ وَشِقاقٍ للدّلالة على شدّتهما وتفاقمهما.
وقرئ : في غرّة، أى : في غفلة عما يجب عليهم من النظر واتباع الحق.
[سورة ص (٣٨) : آية ٣]
كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (٣)
كَمْ أَهْلَكْنا وعيد لذوي العزة والشقاق فَنادَوْا فدعوا واستغاثوا، وعن الحسن.
فنادوا بالتوبة وَلاتَ هي لا المشبهة بليس، زيدت عليها تاء التأنيث كما زيدت على رب، وثم للتوكيد، وتغير بذلك حكمها حيث لم تدخل إلا على الأحيان ولم يبرز إلا أحد مقتضيها : إمّا الاسم وإما الخبر، وامتنع بروزهما جميعا، وهذا مذهب الخليل وسيبويه. وعند الأخفش :
أنها لا النافية للجنس زيدت عليها التاء، وخصت بنفي الأحيان. وحِينَ مَناصٍ منصوب بها، كأنك قلت : ولا حين مناص لهم. وعنه : أنّ ما ينتصب بعده بفعل مضمر، أى : ولا أرى حين مناص، ويرتفع بالابتداء : أى ولا حين مناص كائن لهم، وعندهما أنّ النصب على : ولات الحين حين مناص أى وليس حين مناص، والرفع على ولات حين مناص حاصلا لهم.
وقرئ : حين مناص، بالكسر، ومثله قول أبى زبيد الطائي :
طلبوا صلحنا ولات أوان فأجبنا أن لات حين بقاء «١»
فإن قلت : ما وجه الكسر في أوان؟ قلت : شبه بإذ في قوله : وأنت إذ صحيح، في أنه زمان قطع منه المضاف إليه وعوض التنوين : لأنّ الأصل : ولات أوان صلح. فإن قلت :
فما تقول في حين مناص والمضاف إليه قائم؟ قلت : نزل قطع المضاف إليه من مناص، لأنّ
(١) بعثوا حربنا عليهم وكانوا في مقام لو أبصروا ورخاء
ثم لما تشذرت وأنافت وتصلوا منها كريه الصلاء
طلبوا صلحتا ولات أوان فأجبنا أن لات حين بقاء
لأبى زبيد الطائي، استعار البعث للتسبب. وتنوين مقام ورخاء للتعظيم. والتشذر : التهيؤ للقتال، والتشمر بأطراف الثوب، والتطاول، والوعيد، والركوب من خلف المركوب. والانافة : الارتفاع، وكل هذا ترشيح لاستعارة البعث. ويجوز أنه شبه الحرب بفارس على طريق المكنية. والبعث والتشذر والانافة : تخييل. وشبهها بالنار أيضا فأثبت لهاء التصلى وهو التدفؤ بالنار تخييلا. أو استعار التصلى لاقتحام المكاره تصريحية، وطلبوا : جواب لما، أى : لما ذاقوا بأسنا طلبوا صلحنا، والحال أنه ليس الأوان أوان صلح، فأجبناهم بأن هذا ليس وقت بقاء، بل وقت فناء. وأوان : منى على الكسر لنية الاضافة. وقيل : إنه مبنى على الكسر أيضا لنية الاضافة، ونون للضرورة. وشبهه بنزال في الوزن. وقيل : مجرور على إضمار «من» الاستغراقية الزائدة. وزعم الفراء أن لات هنا حرف جر، وعليها فتنوين أوان للتمكين. وزعم الزمخشري أنه على البناء تنوين عوض، ورد بأنه لو كان كذلك لأعرب، وحين نصب على أنه خبر لات في بقاء، ثم تنزيلها منزلة نيتها في حين، لأن التقدير : أن لات حين بقائكم، وهو بعيد عن المعنى الجزل.