الخمسة : بهرام «١»، وزحل، وعطارد، والزهرة، والمشترى : تجرى مع الشمس والقمر، وترجع حتى تخفى تحت ضوء الشمس، فخنوسها رجوعها : وكنوسها : اختفاؤها تحت ضوء الشمس. وقيل : هي جميع الكواكب، تخنس بالنهار فتغيب عن العيون، وتكنس بالليل :
أى تطلع في أماكنها، كالوحش في كنسها. عسعس الليل وسعسع : إذا أدبر. قال العجاج :
حتّى إذا الصّبح لها تنفّسا وانجاب عنها ليلها وعسعسا «٢»
وقيل : عسعس : إذا أقبل ظلامه. فإن قلت : ما معنى تنفس الصبح؟ قلت : إذا أقبل الصبح :
أقبل بإقباله روح ونسيم، فجعل ذلك نفسا له على المجاز. وقيل : تنفس الصبح.
[سورة التكوير (٨١) : الآيات ١٩ إلى ٢١]
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١)
إِنَّهُ الضمير للقرآن لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ هو جبريل صلوات اللّه عليه «٣» ذِي قُوَّةٍ

__
(١). قوله «بهرام» : ليس بعربي، والمراد به : المريخ. (ع) [.....]
(٢). العجاج. وتنفس الصبح : اتساع ضوئه، أو إقباله بضوء ونسيم. وضمير «لها» الشمس، وقيل :
للمفازة. وانجاب : انقطع وانفصل عنها ظلام الليل. وعسعس : ولى مدبرا وزال ظلامه، فهو توكيد لما قبله.
ويجوز أن الضمير لبقرة وحشية مثلا.
(٣). قال محمود :«المراد بالرسول الكريم : جبريل عليه السلام. وقوله عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ ليدل على عظم منزلته ومكانته، وثم إشارة إلى الظرف المذكور يعنى عند ذى العرش الخ» قال أحمد : ما كان جبريل صلوات اللّه عليه يرضى منه هذا التفسير المنطوى على التقصير في حق البشير النذير عليه أفضل الصلاة والسلام، ولقد اتبع الزمخشري هواه في تمهيد أصول مذهبه الفاسد، فأخطأ على الأصل والفرع جميعا، ونحن فبين ذلك بحول اللّه وقوته فنقول : أولا اختلف أهل التفسير، فذهب منهم الجم الغفير إلى أن المراد بالرسول الكريم هاهنا إلى آخر النعوت :
محمد صلى اللّه عليه وسلم. فإن يكن كذلك واللّه أعلم فذلك فضل اللّه المعتاد على نبيه، وإن كان المراد جبريل عليه السلام فقد اختلف الناس في المفاضلة بين الملائكة والرسل، والمشهور عن أبى الحسن : تفضيل الرسل. ومذهب المعتزلة : تفضيل الملائكة، إلا أن المختلفين أجمعوا على أنه لا يسوغ تفضيل أحد القبيلين الجليلين بما يتضمن تنقيص معين من الملائكة ومعين من الرسل، لأن التفضيل وإن كان ثابتا إلا أن في التعيين إيذاء للمفضول، وعليه حمل الحذاق قوله صلى اللّه عليه وسلم «لا تفضلوني على يونس بن متى» أى لا تعينوا مفضولا على التخصيص، لأن التفضيل على لتعميم ثابت بإجماع المسلمين، أى تفضيل النبي صلى اللّه عليه وسلم على النبيين أجمعين، وكان جدي رحمه اللّه يوضح ذلك بمثال فيقول : لو قلت بحضرة جماعة من الفقهاء : فلان أفضل أهل عصره، لكان في الجماعة احتمال لهذا التفضيل وإن لزم اندراجهم في المفضولين، ولو عينت واحدا منهم وقلت : فلان أفضل منك وأتقى للّه، لأسرع به الأذى إلى بعضك. وإذا تقرر لك أنه لا يلزم من اعتقاد التفضيل على التعميم جواز إطلاق التفضيل على التخصيص، علمت أن الزمخشري أخطأ على أصله لأنه بتقدير أن تكون الملائكة أفضل كما يعتقد، لا يجوز أن يقال أحد من الملائكة على التخصيص أنه أفضل من أحد الأنبياء على التخصيص، لا سيما في سيد ولد آدم عليه أفضل الصلاة والسلام، ثم يعود الكلام على الآية بعد تسليم أن المراد جبريل، وبعد أن نكله في تعيينه النبي صلى اللّه عليه وسلم وعده مفضولا إلى اللّه فنقول : لم يذكر فيها نعت إلا والنبي صلى اللّه عليه وسلم مثله، أولها : رسول كريم، فقد قال في حقه صلى اللّه عليه وسلم في آخر سورة الحاقة إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وقد قيل أيضا : إن المراد جبريل، إلا أنه يأباه قوله وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ وقد وافق الزمخشري على ذلك فيما تقدم، فهذا أول النعوت وأعظمها.
وأما قوله ذِي قُوَّةٍ فليس محل الخلاف، إذ لا نزاع في أن لجبريل عليه السلام فضل القوة الجسمية ومن يقتلع المدائن بريشة من جناحه، لا مراء في فضل قوته على قوة البشر. وقد قيل هذا في تفسير قوله ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى وقوله عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ فقد ثبت طاعة الملائكة أيضا لنبينا صلى اللّه عليه وسلم، ورد أن جبريل عليه السلام قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : إن اللّه يقرئك السلام، وقد أمر ملك الجبال أن يطيعك عند ما آذته قريش فسلم عليه الملك وقال : إن أمرتنى أن أطبق عليهم الأخشبين فعلت، فصبر النبي صلى اللّه عليه وسلم واحتسب.
وأعظم من ذلك وأشرف : مقامه المحمود في الشفاعة الكبرى يوم لا يتقدمه أحد، إذ يقول اللّه تعالى له : ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع. وأما أمين فقد قال وهو الصادق المصدوق : واللّه إنى لأمين في الأرض أمين في السماء، وحسبك قوله : وما هو على الغيب بظنين. إن قرأته بالظاء فمعناه أنه صلى اللّه عليه وسلم أمين على الغيب غير متهم، وإن قرأته بالضاد رجع إلى الكرم، فكيف يذهب إلى التفضيل بالنعوت المشتركة بين الفاضل والمفضول سواء، وما لي مباحثة في أصل المسألة، ولكن الرد عليه في خطئه على كل قول يتعين، وإلا فالمسئلة في غير هذا الكتاب. فنسأل اللّه أن يثبتنا على الايمان به وبملائكته وكتبه ورسله، وعلى القول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يعمر قلوبنا بحبهم، وأن يجعل توسلنا إليه بهم، وهو حسبنا ونعم الوكيل.


الصفحة التالية
Icon