الكسب الرائن على قلوبهم. وكونهم محجوبين عنه : تمثيل «١» للاستخفاف بهم «٢» وإهانتهم، لأنه لا يؤذن على الملوك إلا للوجهاء المكرمين لديهم، ولا يحجب عنهم إلا الأدنياء المهانون عندهم. قال :
إذا اعتروا باب ذى عبية رجبوا والنّاس من بين مرجوب ومحجوب «٣»
عن ابن عباس وقتادة وابن أبى مليكة : محجوبين عن رحمته. وعن ابن كيسان :
عن كرامته :
[سورة المطففين (٨٣) : الآيات ١٨ إلى ٢١]
كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨) وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (١٩) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٢٠) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (٢١)
كَلَّا ردع عن التكذيب. وكتاب الأبرار : ما كتب من أعمالهم. وعليون : علم لديوان الخير الذي دوّن فيه كل ما عملته الملائكة وصلحاء الثقلين، منقول من جمع «علىّ» فعيل من العلو كسجين من السجن، سمى بذلك إمّا لأنه سبب الارتفاع إلى أعالى الدرجات في الجنة، وإمّا لأنه مرفوع في السماء السابعة حيث يسكن الكروبيون، تكريما له وتعظيما. روى «إن الملائكة لتصعد بعمل العبد فيستقلونه، فإذا انتهوا به إلى ما شاء اللّه من سلطانه أوحى إليهم إنكم الحفظة على عبدى وأنا الرقيب على ما في قلبه، وأنه أخلص عمله فاجعلوه في عليين، فقد غفرت له، وإنها لتصعد بعمل العبد فيزكونه، فإذا انتهوا به إلى ما شاء اللّه أوحى إليهم : أنتم الحفظة على

__
(١). قال محمود :«كونهم محجوبين عنه تمثيل... الخ»
قال أحمد : هذا عند أهل السنة على ظاهره من أدلة الرؤية، فان اللّه تعالى لما خص الفجار بالحجاب دل على أن المؤمنين الأبرار مرفوع عنهم الحجاب، ولا معنى لرفع الحجاب إلا الإدراك بالعين، وإلا فالحجاب على اللّه تعالى بغير هذا التفسير محال، هذا هو الحق وما بعد الحق إلا الضلال، وما أرى من جحد الرؤية المدلول عليها بقواطع الكتاب والسنة يحظي بها. واللّه المسئول في العصمة.
(٢). قوله «تمثيل للاستخفاف بهم» مبنى على مذهب المعتزلة : وهو عدم جواز الرؤية عليه تعالى. وذهب أهل السنة إلى جوازها. وفي النسفي : قال الزجاج : في الآية دليل على أن المؤمنين يرون ربهم، وإلا لا يكون التخصيص مفيدا، وقال الحسن بن الفصل : كما حجبهم في الدنيا عن توحيده، حجبهم في العقبى عن رؤيته. وقال مالك بن أنس : لما حجب أعداءه فلم يروه، تجلى لأوليائه حتى رأوه. وكذا في الخازن. وفيه أيضا : قال الشافعي : في الآية دلالة على أن أولياء اللّه يرون اللّه جل جلاله.
(٣). غزوا : قصدوا. وروى : اعتروا، أى : نزلوا به وأصابوه. والعبية : الكبر والفخر. قال صلى اللّه عليه وسلم «إن اللّه تعالى قد أذهب عنكم عبية الجاهلية بالآباء» الناس رجلان : مؤمن تقى وكافر شقى». ورجبة الرجل : عظمته. يقول إنهم يلجون أبواب العظماء لا تمنعهم الحجاب، بخلاف غيرهم فإنهم تارة وتارة.


الصفحة التالية
Icon