وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك، فقال عليه السلام : أرأيتم إن أعطيتكم ما سألتم أمعطىّ أنتم كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم؟ فقالوا : نعم وعشرا، أى نعطيكها وعشر كلمات معها، فقال : قولوا لا إله إلا اللّه فقاموا وقالوا أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ أى : بليغ في العجب. وقرئ : عجاب، بالتشديد، كقوله تعالى مَكْراً كُبَّاراً وهو أبلغ من المخفف. ونظيره : كريم وكرام وكرام : وقوله أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً مثل قوله وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً في أن معنى الجعل التصيير في القول على سبيل الدعوى والزعم، كأنه قال : أجعل الجماعة واحدا في قوله، لأنّ ذلك في الفعل محال.
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٦ إلى ٧]
وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (٦) ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ (٧)
الْمَلَأُ أشراف قريش، يريد : وانطلقوا عن مجلس أبى طالب بعد ما بكتهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالجواب العتيد، قائلين بعضهم لبعض امْشُوا وَاصْبِرُوا فلا حيلة لكم في دفع أمر محمد إِنَّ هذا الأمر لَشَيْءٌ يُرادُ أى يريده اللّه تعالى ويحكم بإمضائه، وما أراد اللّه كونه فلا مردّ له ولا ينفع فيه إلا الصبر، أو أن هذا الأمر لشيء من نوائب الدهر يراد بنا فلا انفكاك لنا منه : أو أن دينكم لشيء يراد، أى : يطلب ليؤخذ منكم وتغلبوا عليه. وأَنِ بمعنى أى، لأنّ المنطلقين عن مجلس التقاول لا بد لهم من أن يتكلموا ويتفاوضوا فيما جرى لهم، فكان انطلاقهم مضمنا معنى القول. ويجوز أن يراد بالانطلاق : الاندفاع في القول، وأنهم قالوا : امشوا، أى أكثروا واجتمعوا، من مشت المرأة إذا كثرت ولادتها. ومنه : الماشية، للتفاؤل، كما قيل لها : الفاشية : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «١» «ضموا فواشيكم» «٢» ومعنى وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ : واصبروا على عبادتها والتمسك بها حتى لا تزالوا عنها، وقرئ :
وانطلق الملأ منهم امشوا، بغير أَنِ على إضمار القول. وعن ابن مسعود : وانطلق الملأ منهم يمشون أن اصبروا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ في ملة عيسى التي هي آخر الملل، لأنّ النصارى يدعونها وهم مثلثة غير موحدة. أو في ملة قريش التي أدركنا عليها آباءنا. أو ما سمعنا بهذا كائنا في الملة الآخرة، على أن يجعل في الملة الآخرة حالا من هذا ولا تعلقه بما سمعنا كما في الوجهين.
والمعنى : أنا لم نسمع من أهل الكتاب ولا من الكهان أنه يحدث في الملة الآخرة توحيد اللّه.
ما هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ أى : افتعال وكذب.
(١). أخرجه ابن حبان من حديث جابر رضى اللّه عنه بلفظ «كفوا» وأصله في مسلم.
(٢). قوله «ضموا فواشيكم» بقيته في الصحاح :«حتى تذهب فحمة العشاء» (ع)