والتشبيه ونحو ذلك، مثل أن يفسر الأعلى بمعنى العلو الذي هو القهر والاقتدار، لا بمعنى العلوّ في المكان والاستواء على العرش حقيقة، وأن يصان عن الابتذال والذكر، لا على وجه الخشوع والتعظيم. ويجوز أن يكون الْأَعْلَى صفة للرب، والاسم، وقرأ على رضى اللّه عنه : سبحان ربى الأعلى. وفي الحديث لما نزلت : فسبح باسم ربك العظيم، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«اجعلوها في ركوعكم» فلما نزل سبح اسم ربك الأعلى قال :«اجعلوها في سجودكم» «١» وكانوا يقولون في الركوع : اللهم لك ركعت، وفي السجود :
اللهم لك سجدت خَلَقَ فَسَوَّى أى خلق كل شيء فسوّى خلقه تسوية، ولم يأت به متفاوتا غير ملتئم، ولكن على إحكام واتساق، ودلالة على أنه صادر عن عالم، وأنه صنعة حكيم قَدَّرَ فَهَدى قدّر لكل حيوان ما يصلحه، فهداه إليه وعرّفه وجه الانتفاع به. يحكى أنّ الأفعى إذا أتت عليها ألف سنة عميت، وقد ألهمها اللّه أنّ مسح العين بورق الرازيانج الغض يرد إليها بصرها، فربما كانت في برية بينها وبين الريف مسيرة أيام فتطوى تلك المسافة على طولها وعلى عماها حتى تهجم في بعض البساتين على شجرة الرازيانج لا تخطئها، فتحك بها عينيها وترجع باصرة بإذن اللّه. وهدايات اللّه للإنسان إلى مالا يحدّ من مصالحه وما لا يحصر من حوائجه في أغذيته وأدويته، وفي أبواب دنياه ودينه، وإلهامات البهائم والطيور وهوام الأرض :
باب واسع، وشوط بطين «٢»، لا يحيط به وصف واصف، فسبحان ربى الأعلى. وقرئ :
قدر، بالتخفيف أَحْوى صفة لغثاء، أى أَخْرَجَ الْمَرْعى أنبته فَجَعَلَهُ بعد خضرته ورفيفه غُثاءً أَحْوى دربنا «٣» أسود. ويجوز أن يكون أَحْوى حالا من المرعى، أى :
أخرجه أحوى أسود من شدّة الخضرة والري، فجعله غثاء بعد حوّيه.
[سورة الأعلى (٨٧) : الآيات ٦ إلى ٧]
سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى (٧)
بشره اللّه بإعطاء آية بينة، وهي : أن يقرأ عليه جبريل ما يقرأ عليه من الوحى وهو أمى لا يكتب ولا يقرأ، فيحفظه ولا ينساه إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ فذهب به عن حفظه برفع حكمه وتلاوته، كقوله أَوْ نُنْسِها وقيل : كان يعجل بالقراءة إذا لقنه جبريل، فقيل : لا تعجل، فإنّ جبريل مأمور بأن يقرأه عليك قراءة مكررة إلى أن تحفظه، ثم لا تنساه إلا ما شاء اللّه، ثم تذكره بعد النسيان. أو قال : إلا ما شاء اللّه، يعنى : القلة والندرة، كما روى أنه أسقط آية في
(١). أخرجه أبو داود وابن ماجة وابن حبان وأحمد من رواية إياس بن عامر عن عقبة بن عامر به.
(٢). قوله «و شوط بطين» أى بعيد أفاده الصحاح. (ع)
(٣). الدرين : حطام المرعى إذا قدم، كذا في الصحاح. (ع)