جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ يريد ما هم إلا جيش من الكفار المتحزبين على رسل اللّه، مهزوم مكسور عما قريب «١» فلا تبال بما يقولون، ولا تكترث لما به يهذون. وما مزيدة، وفيها معنى الاستعظام، كما في قول امرئ القيس :
وحديث ما على قصره «٢»
إلا أنه على سبيل الهزء، وهُنالِكَ إشارة إلى حيث وضعوا فيه أنفسهم من الانتداب لمثل ذلك القول العظيم، من قولهم لمن ينتدب لأمر ليس من أهله : لست هنالك.
[سورة ص (٣٨) : الآيات ١٢ إلى ١٥]
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (١٢) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ (١٣) إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ (١٤) وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ (١٥)
ذُو الْأَوْتادِ أصله من ثبات البيت المطنب بأوتاده، قال :
والبيت لا يبتنى إلّا على عمد ولا عماد إذا لم ترس أوتاد «٣»

__
(١). قال محمود :«ثم تهكم بهم غاية التهكم فقال : إن كانوا يصلحون لتدبير الخلائق والتصرف في قسمة الرحمة فكانت عندهم المعرفة التي يميزون بها بين من هو حقيق بإيتاء النبوة دون من لا يستحق، فليرتقوا في المعارج والطرق الموصلة إلى العرش حتى يستووا عليه ويدبروا أمر العالم وملكوت اللّه تعالى، وينزلوا الوحى على من يختارونه.
قال : ثم خسأهم بقوله جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ معناه : إن هؤلاء إلا جند متحزبون على النبي صلى اللّه عليه وسلم عما قليل يهزمون ويولون الأدبار»
قال أحمد : الاستواء المنسوب للّه : ليس مما يتوصل إليه بالصعود في المعارج والوصول إلى العرش والاستقرار عليه والتمكن فوقه، لأن الاستواء المنسوب إلى اللّه تعالى ليس استواء استقرار بجسم - تعالى اللّه عن ذلك - وإنما هو صفة فعل، أى فعل فيه فعلا سماء استواء، هذا تأويل القاضي أبى بكر.
وليست عبارة الزمخشري في هذا الفصل مطابقة للمفصل على جارى عاداته في تحرير العبارة على مراده.
(٢) جد بالوفاق لمشتاق إلى سهره إن لم تجد فحديث ما على قصره
المراد بالوفاق : الوصال. وضمير «سهره» للمشتاق أو للوفاق. وحديث : مبتدأ خبره محذوف، أى : تجود به.
وما زائدة التعميم. ويجوز أنها للتعظيم. لكن الأول أوفق بالمقام. وعلى بمعنى مع، وضمير «قصره» : للحديث.
(٣) والبيت لا يبتنى إلا بأعمدة ولا عماد إذا لم ترس أوتاد
فان تجمع أسباب وأعمدة وساكن بلغوا الأمر الذي كادوا
للرافدة الأودى، يقول : لا ينال الأمر إلا بتوافر أسبابه، فالبيت من باب التمثيل : شبه توقف الأمر على أسبابه وتوقف أسبابه على أسبابها، يتوقف ضرب الخيمة على انتصاب الأعمدة، وتوقف انتصابها على إثبات الأوتاد المشدودة بالحبال، ثم قال : فان اجتمعت الحبال المشدودة بالأوتاد الثابتة وانتصبت الأعمدة ووجد الساكن بلغ مراده، وهو بمعنى الجمع، فصح جمع ضميره، وكاده كيدا عالجه علاجا، أى : بلغوا الأمر الذي كادوه، أي عالجوه لتحصيله.


الصفحة التالية
Icon