والتدسية ومتوليهما والتزكية : الإنماء والإعلاء بالتقوى. والتدسية : النقص والإخفاء بالفجور. وأصل دسى : دسس، كما قيل في تقضض : تقضى. وسئل ابن عباس عنه فقال : أتقرأ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى، وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً. وأما قول من زعم أنّ الضمير في زكى ودسى للّه تعالى، وأنّ تأنيث الراجع إلى من، لأنه في معنى النفس : فمن تعكيس القدرية الذين يورّكون «١» على اللّه قدرا هو بريء منه ومتعال عنه، ويحيون لياليهم في تمحل فاحشة ينسبونها إليه. فإن قلت : فأين جواب القسم؟ قلت : هو محذوف تقديره : ليدمدمنّ اللّه عليهم، أى : على أهل مكة لتكذيبهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، كما دمدم على ثمود لأنهم كذبوا صالحا. وأما قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها فكلام تابع لقوله فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها على سبيل الاستطراد، وليس من جواب القسم في شيء.
[سورة الشمس (٩١) : الآيات ١١ إلى ١٥]
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (١١) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها (١٣) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (١٤) وَلا يَخافُ عُقْباها (١٥)
الباء في بِطَغْواها مثلها في : كتبت بالقلم. والطغوى من الطغيان : فصلوا بين الاسم والصفة في فعلى من بنات الياء، بأن قلبوا الياء واوا في الاسم، وتركوا القلب في الصفة، فقالوا :
امرأة خزيي وصديى، يعنى : فعلت التكذيب بطغيانها، كما تقول : ظلمني بجرأته على اللّه. وقيل :
كذبت بما أوعدت به من عذابها ذى الطغوىّ كقوله، فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ، وقرأ الحسن :
بطغواها، بضم الطاء كالحسنى والرجعى في المصادر إِذِ انْبَعَثَ منصوب بكذبت. أو بالطغوى. وأَشْقاها قدار بن سالف. ويجوز أن يكونوا جماعة، والتوحيد لتسويتك في أفعل التفضيل إذا أضفته بين الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، وكان يجوز أن يقال : أشقوها، كما تقول : أفاضلهم. والضمير في لَهُمْ يجوز أن يكون للأشقين والتفضيل في الشقاوة، لأنّ من تولى الفقر وباشره كانت شقاوته أظهر وأبلغ. وناقَةَ اللَّهِ نصب على التحذير، كقولك الأسد الأسد، والصبى الصبى، بإضمار : ذروا أو احذروا عقرها وَسُقْياها فلا تزووها عنها، ولا
(١). قوله «الذين يوركون على اللّه قدرا» في الصحاح : ورك فلان ذنبه على غيره، إذا قرفه به اه، أى :
اتهمه. ومراده بالقدرية : أهل السنة، حيث قالوا : كل ما وقع في الكون هو بقضائه تعالى وقدره خيرا كان أو شرا، ويخلقه تعالى وإرادته، قبيحا كان أو حسنا، من أفعال العباد أو من غيرها، كما تقرر في التوحيد. (ع)