وعن الكسائي : وما خلق الذكر والأنثى بالجر على أنه بدل من محل ما خَلَقَ بمعنى : وما خلقه اللّه، أى : ومخلوق اللّه الذكر والأنثى. وجاز إضمار اسم اللّه لأنه معلوم لانفراده بالخلق. إذ لا خالق سواه. وقيل : إنّ اللّه لم يخلق خلقا من ذوى الأرواح ليس بذكر ولا أنثى. والخنثى، وإن أشكل أمره عندنا فهو عند اللّه غير مشكل، معلوم بالذكورة أو الأنوثة، فلو حلف بالطلاق أنه لم يلق يومه ذكرا ولا أنثى، ولقد لقى خنثى مشكلا : كان حانثا، لأنه في الحقيقة إمّا ذكرا أو أنثى، وإن كان مشكلا عندنا لَشَتَّى جمع شتيت، أى : إنّ مساعيكم أشتات مختلفة، وبيان اختلافها فيما فصل على أثره.
[سورة الليل (٩٢) : الآيات ٥ إلى ٧]
فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧)
أَعْطى يعنى حقوق ماله وَاتَّقى اللّه فلم يعصه وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى بالخصلة الحسنى :
وهي الإيمان. أو بالملة الحسنى : وهي ملة الإسلام، أو بالمثوبة الحسنى : وهي الجنة فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى فسنهيؤه لها من يسر الفرس للركوب إذا أسرجها وألجمها. ومنه قوله عليه السلام :
«كل ميسر لما خلق «١» له» والمعنى : فسنلطف به ونوفقه حتى تكون الطاعة أيسر الأمور عليه وأهونها «٢»، من قوله فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ.
[سورة الليل (٩٢) : الآيات ٨ إلى ١١]
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (١٠) وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (١١)
وَاسْتَغْنى وزهد فيما عند اللّه كأنه مستغن عنه فلم يتقه. أو استغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الجنة، لأنه في مقابلة وَاتَّقى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى فسنخذله ونمنعه الألطاف، حتى تكون الطاعة أعسر شيء عليه وأشدّه، من قوله يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ أو سمى طريقة الخير باليسرى، لأنّ عاقبتها اليسر، وطريقة الشر العسرى، لأن عاقبتها العسر. أو أراد بهما طريقى الجنة والنار، أى : فسنهديهما في الآخرة للطريقين. وقيل : نزلتا في أبى بكر رضى اللّه عنه، وفي أبى سفيان بن حرب وَما يُغْنِي عَنْهُ استفهام في معنى الإنكار، أو نفى تَرَدَّى تفعل من الردى وهو الهلاك، يريد : الموت. أو تردّى في الحفرة إذا قبر.
أو تردى في قعر جهنم.
(١). متفق عليه من حديث عمران بن حصين، ومن حديث على رضى اللّه عنه.
(٢). قال محمود :«التيسير لليسرى خلق الألطاف... الخ» قال أحمد : ألا يطيل لسانه هاهنا على أهل السنة ولكن قصره الحق فتراه يؤول الكلام بل يعطله، لأنه يحمله مالا يحتمله، وعلى كلامه في أمثالها روعة السارق الخائف.