الإبهام والإيضاح، كأنه قيل : ألم نشرح لك، ففهم أن ثم مشروحا، ثم قيل : صدرك، فأوضح ما علم مبهما، وكذلك لَكَ ذِكْرَكَ وعَنْكَ وِزْرَكَ.
[سورة الشرح (٩٤) : الآيات ٥ إلى ٦]
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٦)
فإن قلت : كيف تعلق قوله فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً بما قبله؟ قلت : كان المشركون يعيرون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين بالفقر والضيقة، حتى سبق إلى وهمه أنهم رغبوا عن الإسلام لافتقار أهله واحتقارهم، فذكره ما أنعم به عليه من جلائل النعم ثم قال :
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً كأنه قال : خوّلناك ما خولناك فلا تيأس من فضل اللّه، فإن مع العسر الذي أنتم فيه يسرا. فإن قلت : إِنَّ مَعَ للصحبة، فما معنى اصطحاب اليسر والعسر؟ قلت :
أراد أن اللّه يصيبهم بيسر بعد العسر الذي كانوا فيه بزمان قريب، فقرّب اليسر المترقب حتى جعله كالمقارن للعسر، زيادة في التسلية وتقوية القلوب. فإن قلت : ما معنى قول ابن عباس وابن مسعود رضى اللّه عنهما : لن يغلب عسر يسرين «١» وقد روى مرفوعا أنه خرج صلى اللّه عليه وسلم ذات يوم وهو يضحك ويقول «لن يغلب عسر يسرين» «٢»؟ قلت : هذا عمل على الظاهر، وبناء على قوّة الرجاء، وأن موعد اللّه لا يحمل إلا على أو في ما يحتمله اللفظ وأبلغه، والقول في أنه يحتمل أن تكون الجملة الثانية تكريرا للأولى كما كرر قوله فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ لتقرير معناها في النفوس وتمكينها في القلوب، وكما يكرر المفرد في قولك : جاءني زيد زيد، وأن تكون الأولى عدة بأنّ العسر مردوف بيسر لا محالة، والثانية عدة مستأنفة بأنّ العسر متبوع بيسر، فهما يسران على تقدير الاستئناف، وإنما كان العسر واحدا لأنه لا يخلو، إما أن يكون تعريفه للعهد وهو العسر الذي كانوا فيه، فهو هو، لأنّ حكمه حكم زيد في قولك :
إن مع زيد مالا، إن مع زيد مالا. وإما أن يكون للجنس الذي يعلمه كل أحد فهو هو أيضا.
وأما اليسر فمنكر متناول لبعض الجنس، فإذا كان الكلام الثاني متأنفا غير مكرر فقد تناول بعضا غير البعض الأوّل بغير إشكال. فإن قلت : فما المراد باليسرين؟ قلت : يجوز أن يراد بهما

__
(١). حديث ابن عباس : لم أجده. قلت : ذكره الفراء عن الكلبي عن ابن صالح عنه.
(٢). أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن الحسن به مرسلا. ومن طريقه أخرجه الحاكم والبيهقي في الشعب. ورواه الطبري من طريق أبى ثور عن معمر. وله طريق أخرى أخرجها ابن مردويه من رواية عطية عن جابر موصولا. وإسناده ضعيف. وفي الباب عن عمر رضى اللّه عنه ذكره مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم عن أبيه «أن عمر بن الخطاب بلغه أن أبا عبيدة حضر بالشام فذكر القصة. وقال في الكتاب إليه : ولن يغلب عسر يسرين» ومن طريقه رواه الحاكم. وهذا أصح طرقه. [.....]


الصفحة التالية
Icon