ويطلع على أحواله من هداه وضلاله، فيجازيه على حسب ذلك. وهذا وعيد. فإن قلت :
ما متعلق أرأيت؟ قلت : الذي ينهى مع الجملة الشرطية، وهما في موضع المفعولين. فإن قلت :
فأين جواب الشرط؟ قلت : هو محذوف، تقديره : إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى، ألم يعلم بأن اللّه يرى. وإنما حذف لدلالة ذكره في جواب الشرط الثاني. فإن قلت : فكيف صح أن يكون أَلَمْ يَعْلَمْ جوابا للشرط؟ قلت : كما صح في قولك : إن أكرمتك أتكرمني؟ وإن أحسن إليك زيد هل تحسن إليه؟ فإن قلت : فما أرأيت الثانية وتوسطها بين مفعول أرأيت؟
قلت : هي زائدة مكرّرة للتوكيد. وعن الحسن أنه أمية بن خلف كان ينهى سلمان عن الصلاة كَلَّا ردع لأبى جهل وخسوء له عن نهيه عن عبادة اللّه تعالى وأمره بعبادة اللات، ثم قال لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ عما هو فيه لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ لنأخذن بناصيته ولنسحبنه بها إلى النار.
والسفع : القبض على الشيء وجذبه بشدّة. قال عمرو بن معديكرب :
قوم إذا يقع الصّريخ رأيتهم من بين ملجم مهره أو سافع «١»
وقرئ : لنسفعنّ، بالنون المشدّدة. وقرأ ابن مسعود، لأسفعا. وكتبتها في المصحف بالألف على حكم الوقف، ولما علم أنها ناصية المذكور : اكتفى بلام العهد عن الإضافة ناصِيَةٍ بدل من الناصية، وجاز بدلها عن المعرفة، وهي نكرة، لأنها وصفت فاستقلت بفائدة. وقرئ : ناصية، على : هي ناصية. وناصية بالنصب. وكلاهما على الشتم.
ووصفها بالكذب والخطأ على الإسناد المجازى. وهما في الحقيقة لصاحبها. وفيه من الحسن والجزالة ما ليس في قولك : ناصية كاذب خاطئ. والنادي : المجلس الذي ينتدى فيه القوم. أى يجتمعون. والمراد : أهل النادي. كما قال جرير :
لهم مجلس صهب السّبال أذلّة «٢»
(١). لحميد بن ثور الهلالي الصحابي، أى : هم قوم إذا نفع الصريخ، أى : ارتفع الصياح للحرب أسرعوا إليها فتراهم دائرين بين ملجم مهره وسافع، أى : قابض بناصية مهره، ويجذبه إليه بسرعة. ومن زائدة، ولو كانت في الإثبات. وأو بمعنى الواو. ويروى : إذا يقع بالياء، أى : يحصل. ويروى : إذا هتف، أى : صاح، فيكون كجد جده. ويجوز أن الصريخ بمعنى الصارخ. ويروى : إذا سمعوا الصريخ فهو مفعول. ويروى : ما بين ملجم.
وهذا مما يؤيد أن «من» في تلك الرواية زائدة.
(٢) لهم مجلس صهب السبال أذلة على من يعاديهم أشداء فاعلم
يقول : لهم مجلس يجتمعون فيه. أو لهم قوم مجتمعون جالسون، ولا ترى ذلك إلا في الرؤساء الأشراف. وصهب للسبال : صفة لمرجع الضمير في لهم على الأول، وصفة لمجلس على الثاني، لأنه بمعنى الجالسين. والصهبة : حمرة ترهق السواد. والصهب : جمع أصهب. والسال : طرف الشارب جانب الفم، وتلك الصهبة من خواص الروم، وهو كناية عن الغلظة والشدة، وأذلة : أى فيما بينهم أشداء على من يعاديهم. وقدم المعمول للحصر، فاعلم ذلك وتيقنه فهو حق. ويروى بدل الشطر الثاني :
سواسية أحرارها وعبيدها
وسواسية كطواعية جمع سواء على غير قياس. وقيل : اسم جمع بمعنى مستوين. يعنى : أنهم مستوون في الشرف وكمال الأخلاق، ولولا مقام المدح لكان من قبيل التوجيه، لاحتماله لوجه الذم أيضا. وأما إن قرئ بالكسر والتشديد، فهو منسوب السواس وهو التمرين على حسن السير، يعنى أن جميعهم رؤساء، ولكن الأول أوجه. ومنه الحديث :«الناس سواسية لا فضل لعربي على عجمى إلا بالتقوى» كما في ترجمة شرح القاموس.