كان الكفار من الفريقين أهل الكتاب وعبدة الأصنام يقولون قبل مبعث النبي صلى اللّه عليه وسلم : لا ننفك مما نحن عليه من ديننا ولا نتركه حتى يبعث النبي الموعود الذي هو مكتوب في التوراة والإنجيل، وهو محمد صلى اللّه عليه وسلم، فحكى اللّه تعالى ما كانوا يقولونه ثم قال وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يعنى أنهم كانوا يعدون اجتماع الكلمة والاتفاق على الحق : إذا جاءهم الرسول، ثم ما فرقهم عن الحق ولا أقرهم على الكفر إلا مجيء الرسول صلى اللّه عليه وسلم، ونظيره في الكلام أن يقول الفقير الفاسق لمن يعظه : لست بمنفك مما أنا فيه حتى يرزقني اللّه الغنى، فيرزقه اللّه الغنى فيزداد فسقا، فيقول واعظه : لم تكن منفكا عن الفسق حتى توسر، وما غمست رأسك في الفسق إلا بعد اليسار : يذكره ما كان يقوله توبيخا وإلزاما.
وانفكاك الشيء من الشيء. أن يزايله بعد التحامه به، كالعظم إذا انفك من مفصله، والمعنى :
أنهم متشبثون بدينهم لا يتركونه إلا عند مجيء البينة. والْبَيِّنَةُ الحجة الواضحة «١». ورَسُولٌ بدل من البينة. وفي قراءة عبد اللّه : رسولا، حالا من البينة صُحُفاً قراطيس مُطَهَّرَةً من الباطل فِيها كُتُبٌ مكتوبات قَيِّمَةٌ مستقيمة ناطقة بالحق والعدل والمراد بتفرقهم :
تفرقهم عن الحق وانقشاعهم عنه. أو تفرقهم فرقا، فمنهم من آمن، ومنهم من أنكر وقال : ليس به، ومنهم من عرف وعاند. فإن قلت : لم جمع بين أهل الكتاب والمشركين أوّلا ثم أفرد أهل الكتاب في قوله وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ؟ قلت : لأنهم كانوا على علم به لوجوده في كتبهم، فإذا وصفوا بالتفرق عنه كان من لا كتاب له أدخل في هذا الوصف وَما أُمِرُوا يعنى في التوراة والإنجيل إلا بالدين الحنيفي، ولكنهمحرفوا وبدلوا وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ أى دين الملة القيمة. وقرئ : وذلك الدين القيمة، على تأويل الدين بالملة. فإن قلت : ما وجه قوله وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ؟ قلت : معناه : وما أمروا بما في الكتابين إلا لأجل أن يعبدوا اللّه على هذه الصفة. وقرأ ابن مسعود : إلا أن يعبدوا، بمعنى : بأن يعبدوا. قرأ نافع : البريئة

__
(١). قوله «و البينة الحجة الواضحة» في نسخة بدل «و البينة» : القرآن، أَوَ لَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى ورسول من اللّه : جبريل صلوات اللّه عليه، وهو التالي للصحف المطهرة المنتسخة من اللوح التي ذكرت في سورة عبس، ولا بد من مضاف محذوف وهو الوحى. ويجوز أن يراد النبي صلى اللّه عليه وسلم. فان قلت : كيف نسبة تلاوة الصحف المطهرة إليه وهو أمى؟ قلت : إذا تلا مثل المذكور فيها كان تاليا لها.... (ع)


الصفحة التالية
Icon