بهن النساء الكيادات، من قوله إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ تشبيها لكيدهن بالسحر والنفث في العقد.
أو اللاتي يفتن الرجال بتعرّضهن لهم وعرضهن محاسنهن، كأنهن يسحرنهم بذلك إِذا حَسَدَ إذا ظهر حسده وعمل بمقتضاه : من بغى الغوائل للمحسود، لأنه إذا لم يظهر أثر ما أضمره فلا ضرر يعود منه على من حسده، بل هو الضارّ لنفسه لاغتمامه بسرور غيره. وعن عمر بن عبد العزيز : لم أر ظالما أشبه بالمظلوم من حاسد. ويجوز أن يراد بشر الحاسد : إثمه وسماجة حاله في وقت حسده، وإظهاره أثره. فإن قلت : قوله مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ تعميم في كل ما يستعاذ منه، فما معنى الاستعاذة بعده من الغاسق والنفاثات والحاسد؟ قلت : قد خص شر هؤلاء من كل شر لخفاء أمره، وأنه يلحق الإنسان من حيث لا يعلم، كأنما يغتال به. وقالوا : شر العداة المداجى الذي يكيدك من حيث لا تشعر. فإن قلت : فلم عرف بعض المستعاذ منه ونكر بعضه؟ قلت : عرفت النفاثات، لأن كل نفاثة شريرة، ونكر غاسق، لأنّ كل غاسق لا يكون فيه الشر، إنما يكون في بعض دون بعض، وكذلك كل حاسد لا يضرّ. ورب حسد محمود، وهو الحسد في الخيرات. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام :«لا حسد إلا في اثنتين «١»» وقال أبو تمام :
وما حاسد في المكرمات بحاسد «٢»
وقال :
إنّ العلا حسن في مثلها الحسد «٣»
عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«من قرأ المعوّذتين فكأنما قرأ الكتب التي أنزلها اللّه تعالى كلها» «٤».
(١). متفق عليه من حديث ابن مسعود، ومن حديث ابن عمر رضى اللّه عنهما والبخاري من حديث أبى هريرة رضى اللّه عنه.
(٢) وإنى لمحسود وأعذر حاسدي وما حاسدي في المكرمات بحاسد
لأبى تمام. يقول : إنى جامع للخصال الحميدة، فالحسد كناية عن ذلك. وعذر يعذر كضرب يضرب، أى : أن حاسدي معذور لحسن صفاتي وعظمها، وليس الحاسد في الخصال الحميدة بحاسد مذموم، بل مغتبط ممدوح.
(٣) فافخر فما من سماء للعلا ارتفعت إلا وأفعالك الحسنى لها عمد
واعذر حسودك فيما قد خصصت به إن العلا حسن في مثلها الحسد
لأبى تمام. وشبه القدر المرتفع بالسماء، واستعارها له على طريق التصريح، والارتفاع ترشيح، لأنه خاص بالمحسوسات وشبه الأفعال الجميلة بأعمدة السماء تشبيها بليغا، لأن بها الارتفاع المعنوي.
(٤). أخرجه الثعلبي وابن مردويه والواحدي بأسانيدهم إلى أبى بن كعب، وقد مضى غير مرة أنها واهنة، وأن الحديث المرفوع في ذلك موضوع، واللّه أعلم.