والتواري بالحجاب : مجاز في غروب الشمس عن توارى الملك. أو المخبأة بحجابهما. والذي دل على أن الضمير للشمس مرور ذكر العشى، ولا بد للمضمر من جرى ذكر أو دليل ذكر.
وقيل : الضمير للصافنات، أى : حتى توارت بحجاب الليل يعنى الظلام. ومن بدع التفاسير :
أن الحجاب جبل دون قاف بمسيرة سنة تغرب الشمس من ورائه فَطَفِقَ مَسْحاً فجعل يمسح مسحا، أى يمسح بالسيف بسوقها وأعناقها، يعنى : يقطعها. يقال : مسح علاوته، إذا ضرب عنقه، ومسح المسفر الكتاب «١» إذا قطع أطرافه بسيفه. وعن الحسن : كسف عراقيبها وضرب أعناقها، أراد بالكسف : القطع، ومنه : الكسف في ألقاب الزحاف في العروض. ومن قاله بالشين المعجمة فمصحف. وقيل : مسحها بيده استحسانا لها وإعجابا بها. فإن قلت : بم اتصل قوله رُدُّوها عَلَيَّ؟ قلت : بمحذوف تقديره : قال ردّوها علىّ، فأضمر وأضمر ما هو جواب له، كأن قائلا قال : فما ذا قال سليمان؟ لأنه موضع مقتض للسؤال اقتضاء ظاهرا، وهو اشتغال نبىّ من أنبياء اللّه بأمر الدنيا، حتى تفوته الصلاة عن وقتها. وقرئ : بالسؤق، بهمز الواو لضمتها، كما في أدؤر. ونظيره : الغئور، في مصدر غارت الشمس. وأما من قرأ بالسؤق فقد جعل الضمة في السين كأنها في الواو للتلاصق، كما قيل : مؤسى : ونظير ساق وسوق : أسد وأسد.
وقرئ : بالساق، اكتفاء بالواحد عن الجمع، لأمن الإلباس.
[سورة ص (٣٨) : آية ٣٤]
وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (٣٤)
قيل : فتن سليمان بعد ما ملك عشرين سنة. وملك بعد الفتنة عشرين سنة. وكان من فتنته :
أنه ولد له ابن، فقالت الشياطين : إن عاش لم ننفك من السخرة، فسبيلنا أن نقتله أو نخبله، فعلم ذلك، فكان يغذوه في السحابة «٢» فما راعه إلا أن ألقى على كرسيه ميتا، فتنبه على خطئه في أن لم يتوكل فيه على ربه، فاستغفر ربه وتاب إليه. وروى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم : قال سليمان : لأطوفن الليلة على سبعين امرأة، كل واحدة تأتى بفارس يجاهد في سبيل اللّه، ولم يقل : إن شاء اللّه، فطاف عليهنّ فلم يحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل، والذي نفسي بيده، لو قال : إن شاء اللّه، لجاهدوا في سبيل اللّه فرسانا أجمعون «٣»، فذلك قوله تعالى وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ. وهذا ونحوه مما لا بأس به. وأما ما يروى من حديث الخاتم والشياطين وعبادة

__
(١). قوله «و مسح المسفر الكتاب» الذي في الصحاح : سفرت الكتاب أسفره سفرا. وسفرت المرأة :
كشفت عن وجهها. وأسفر الصبح : أى أضاء. وأسفر وجهه حسنا، أى : أشرق، فليحرر. (ع)
(٢). قوله «فكان يغذوه» في الصحاح : غذوت الصبي باللبن، أى ربيته به فاغتذى. (ع)
(٣). متفق عليه من حديث أبى هريرة رضى اللّه عنه. [.....]


الصفحة التالية
Icon