المفردات في غريب القرآن، ص : ٢٤٧
تعالى : لِيُحِقَّ الْحَقَّ [الأنفال / ٨] فإحقاق الحقّ على ضربين.
أحدهما : بإظهار الأدلّة والآيات، كما قال تعالى : وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً [النساء / ٩١]، أي : حجة قوية.
والثاني : بإكمال الشريعة وبثّها في الكافّة، كقوله تعالى : وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ [الصف / ٨]، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [التوبة / ٣٣]، وقوله : الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ
[الحاقة / ١]، إشارة إلى القيامة، كما فسّره بقوله : يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ [المطففين / ٦]، لأنه يحقّ فيه الجزاء، ويقال : حَاقَقْتُهُ فَحَقَقْتُهُ، أي خاصمته في الحقّ فغلبته، وقال عمر رضي اللّه عنه :(إذا النساء بلغن نصّ الحقاق فالعصبة أولى في ذلك) «١».
وفلان نَزِقُ الحِقَاق : إذا خاصم في صغار الأمور «٢»، ويستعمل استعمال الواجب واللازم والجائز نحو : كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
[الروم / ٤٧]، كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ [يونس / ١٠٣]، وقوله تعالى :
حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَ
[الأعراف / ١٠٥]، قيل معناه : جدير، وقرئ :
حَقِيقٌ عَلى «٣» قيل : واجب، وقوله تعالى :
وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ [البقرة / ٢٢٨]، والحقيقة تستعمل تارة في الشيء الذي له ثبات ووجود، كقوله صلّى اللّه عليه وسلم لحارث :«لكلّ حقّ حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟» «٤»، أي : ما الذي ينبئ عن كون ما تدّعيه حقّا؟
وفلان يحمي حقيقته، أي : ما يحقّ عليه أن يحمى. وتارة تستعمل في الاعتقاد كما تقدّم، وتارة في العمل وفي القول، فيقال : فلان لفعله حقيقة : إذا لم يكن مرائيا فيه، ولقوله حقيقة : إذا لم يكن مترخّصا ومتزيدا، ويستعمل في ضدّه المتجوّز والمتوسّع والمتفسّح، وقيل : الدنيا باطل، والآخرة حقيقة، تنبيها على زوال هذه
(١) المعنى أنّ الجارية ما دامت صغيرة فأمّها أولى بها، فإذا بلغت فالعصبة أولى بأمرها. انظر النهاية ١ / ٤١٤، ونهج البلاغة ٢ / ٣١٤، ونسبه لعليّ بن أبي طالب. [.....]
(٢) انظر : المجمل ١ / ٢١٥.
(٣) وبها قرأ نافع وحده. انظر : الإتحاف ص ٢١٧.
(٤) عن صالح بن مسمار أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال لحارث بن مالك : كيف أنت؟ أو : ما أنت يا حارث؟ قال : مؤمن يا رسول اللّه، قال : مؤمن حقا؟ قال : مؤمن حقا. قال : لكلّ حقّ حقيقة، فما حقيقة ذلك؟ قال : عزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي عزّ وجل، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أسمع عواء أهل النار، فقال رسول اللّه :«مؤمن نوّر اللّه قلبه». أخرجه ابن المبارك في الزهد ص ١٠٦ مرسلا والبزار والطبراني، وهو حديث معضل. انظر : الإصابة ١ / ٢٨٩، ومجمع الزوائد ١ / ٥٧.