المفردات في غريب القرآن، ص : ٢٥٥
على التشبيه، واستحمّ الفرس : عرق، وسمي الحمّام حمّاما، إمّا لأنه يعرّق، وإمّا لما فيه من الماء الحارّ، واستحمّ فلان : دخل الحمّام، وقوله عزّ وجل : فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ
[الشعراء / ١٠٠ - ١٠١]، وقوله تعالى : وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً [المعارج / ١٠]، فهو القريب المشفق، فكأنّه الذي يحتدّ حماية لذويه، وقيل لخاصة الرّجل : حامّته، فقيل :
الحامّة والعامّة، وذلك لما قلنا، ويدلّ على ذلك أنه قيل للمشفقين من أقارب الإنسان حزانته «١»، أي : الذين يحزنون له، واحتمّ فلان لفلان :
احتدّ «٢»، وذلك أبلغ من اهتمّ لما فيه من معنى الاحتمام، وأحمّ الشّحم : أذابه، وصار كالحميم، وقوله عزّ وجل : وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ
[الواقعة / ٤٣]، للحميم، فهو يفعول من ذلك، وقيل : أصله الدخان الشديد السّواد «٣»، وتسميته إمّا لما فيه من فرط الحرارة، كما فسّره في قوله : لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ [الواقعة / ٤٤]، أو لما تصوّر فيه من لفظ الحممة فقد قيل للأسود يحموم، وهو من لفظ الحممة، وإليه أشير بقوله : لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ [الزمر / ١٦]، وعبّر عن الموت بالحمام، كقولهم : حُمَّ كذا، أي : قدّر، والحُمَّى سمّيت بذلك إمّا لما فيها من الحرارة المفرطة، وعلى ذلك قوله صلّى اللّه عليه وسلم :«الحمّى من فيح جهنّم» «٤»، وإمّا لما يعرض فيها من الحميم، أي :
العرق، وإمّا لكونها من أمارات الحِمَام، لقولهم :«الحمّى بريد الموت» «٥»، وقيل :«باب الموت»، وسمّي حمّى البعير حُمَاماً «٦» بضمة الحاء، فجعل لفظه من لفظ الحمام لما قيل : إنه قلّما يبرأ البعير من الحمّى. وقيل : حَمَّمَ الفرخ «٧» : إذا اسودّ جلده من الريش، وحمّم
(١) في اللسان : والحزانة بالضمّ والتخفيف : عيال الرجل الذين يتحزّن بأمرهم ولهم.
(٢) انظر : البصائر ٢ / ٤٩٨.
(٣) وهو قول ابن سيده، راجع : اللسان (حمم) ١٢ / ١٥٧.
(٤) الحديث عن عائشة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم :«الحمّى من فيح جهنّم، فأبردوها بالماء». أخرجه البخاري في الطب، باب الحمى من فيح جهنم ١٠ / ١٧٤، ومسلم في السلام : باب لكل داء دواء برقم (٢٢١٠)، وأحمد في مسنده ١ / ٢٩١، ومالك في الموطأ، انظر : شرح الزرقاني ٤ / ٣٣١، وابن ماجة ٢ / ١١٥٠.
(٥) هذا حديث : أخرجه أبو نعيم وابن السنّي في الطب وهنّاد في الزهد، وابن أبي الدنيا في المرض والكفارات ولفظه :
«الحمى رائد الموت وهي سجن اللّه للمؤمن يحبس بها عبده إذا شاء ثم يرسله إذا شاء، ففتّروها بالماء» وذكره ابن حجر المكي في فتاويه «الحمى بريد الموت». قال في المقاصد : وبالجملة فهو حديث حسن. انظر : الفتح الكبير ٢ / ٨١، وكشف الخفاء ١ / ٣٦٦، والمقاصد الحسنة ص ١٩٤.
(٦) في اللسان : والحمام بالضم : حمّى الإبل والدواب، جاء على عامة ما يجيء عليه الأدواء.
(٧) انظر : المجمل ١ / ٢١٨.