المفردات في غريب القرآن، ص : ٢٦٩
متلذّذون، لما روي في الأخبار الكثيرة في أرواح الشّهداء «١».
والخامسة : الحياة الأخرويّة الأبديّة، وذلك يتوصّل إليه بالحياة التي هي العقل والعلم، قال اللّه تعالى : اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ [الأنفال / ٢٤] «٢»، وقوله : يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي [الفجر / ٢٤]، يعني بها : الحياة الأخرويّة الدّائمة.
والسادسة : الحياة التي يوصف بها الباري، فإنه إذا قيل فيه تعالى : هو حيّ، فمعناه : لا يصحّ عليه الموت، وليس ذلك إلّا للّه عزّ وجلّ.
والحياة باعتبار الدّنيا والآخرة ضربان :
الحياة الدّنيا، والحياة الآخرة : قال عزّ وجلّ :
فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا [النازعات / ٣٨]، وقال عزّ وجلّ : اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ [البقرة / ٨٦]، وقال تعالى : وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ [الرعد / ٢٦]، أي : الأعراض الدّنيويّة، وقال : وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها [يونس / ٧]، وقوله تعالى : وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ [البقرة / ٩٦]، أي : حياة الدّنيا، وقوله عزّ وجلّ : وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى [البقرة / ٢٦٠]، كان يطلب أن يريه الحياة الأخرويّة المعراة عن شوائب الآفات الدّنيويّة. وقوله عزّ وجلّ : وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ [البقرة / ١٧٩]، أي : يرتدع بالقصاص من يريد الإقدام على القتل، فيكون في ذلك حياة الناس. وقال عزّ وجلّ : وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً [المائدة / ٣٢]، أي : من نجّاها من الهلاك، وعلى هذا قوله مخبرا عن إبراهيم : رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ : أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة / ٢٥٨]، أي :
أعفو فيكون إحياء. والحَيَوَانُ : مقرّ الحياة، ويقال على ضربين : أحدهما : ما له الحاسّة، والثاني :
ما له البقاء الأبديّ، وهو المذكور في قوله عزّ وجلّ : وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت / ٦٤]، وقد نبّه بقوله :
لَهِيَ الْحَيَوانُ أنّ الحيوان الحقيقيّ السّرمديّ الذي لا يفنى، لا ما يبقى مدّة ثم يفنى، وقال بعض أهل اللّغة : الحَيَوَان والحياة واحد «٣»، وقيل : الحَيَوَان : ما فيه الحياة، والموتان ما ليس فيه الحياة. والحَيَا : المطر، لأنه يحيي الأرض بعد موتها، وإلى هذا أشار بقوله تعالى :
وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء / ٣٠]، وقوله تعالى : إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى
[مريم / ٧]، فقد نبّه أنه سمّاه بذلك
(١) انظر في ذلك الدر المنثور ٢ / ٣٧١.
(٢) وعن مجاهد في الآية قال : هو هذا القرآن، فيه الحياة والنجاة والعصمة في الدنيا والآخرة.
(٣) وهو مروي عن قتادة، راجع اللسان (حيا).