المفردات في غريب القرآن، ص : ٣٠١
كثير «١»، وعلى هذا قوله : وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ
[العاديات / ٨]، أي : المال الكثير وقال بعض العلماء : إنما سمّي المال هاهنا خيرا تنبيها على معنى لطيف، وهو أنّ الذي يحسن الوصية به ما كان مجموعا من المال من وجه محمود، وعلى هذا قوله : قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ [البقرة / ٢١٥]، وقال : وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [البقرة / ٢٧٣]، وقوله : فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً [النور / ٣٣]، قيل : عنى به مالا من جهتهم «٢»، وقيل : إن علمتم أنّ عتقهم يعود عليكم وعليهم بنفع، أي : ثواب «٣». والخير والشرّ يقالان على وجهين :
أحدهما : أن يكونا اسمين كما تقدّم، وهو قوله : وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [آل عمران / ١٠٤].
والثاني : أن يكونا وصفين، وتقديرهما تقدير (أفعل منه)، نحو : هذا خير من ذاك وأفضل، وقوله : نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها
[البقرة / ١٠٦]، وقوله : وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة / ١٨٤]، فخير هاهنا يصحّ أن يكون اسما، وأن يكون بمعنى أفعل، ومنه قوله : وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى [البقرة / ١٩٧]، تقديره تقدير أفعل منه. فالخير يقابل به الشرّ مرة، والضّرّ مرة، نحو قوله تعالى : وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ، وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأنعام / ١٧]، وقوله : فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ
[الرحمن / ٧٠]، قيل : أصله خَيِّرَات، فخفّف، فالخيرات من النساء الخيّرات، يقال : رجل خَيْرٌ «٤» وامرأة خَيْرَةٌ، وهذا خير الرجال، وهذه خيرة النساء، والمراد بذلك المختارات، أي : فيهنّ مختارات لا رذل فيهنّ. والخير : الفاضل المختصّ بالخير، يقال : ناقة خِيَار، وجمل خيار، واستخار اللّهَ العبدُ فَخَارَ له، أي : طلب منه الخير فأولاه، وخَايَرْتُ فلانا كذا فَخِرْتُهُ، والخِيَرَة : الحالة التي تحصل للمستخير والمختار، نحو القعدة والجلسة لحال القاعد والجالس. والاختيارُ :
طلب ما هو خير وفعله، وقد يقال لما يراه الإنسان خيرا، وإن لم يكن خيرا، وقوله : وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ
[الدخان / ٣٢]، يصحّ أن يكون إشارة إلى إيجاده تعالى إياهم خيرا، وأن يكون إشارة إلى تقديمهم على غيرهم. والمختار في عرف المتكلّمين يقال لكلّ
(١) الخبر ذكره البيهقي في سننه ٦ / ٢٧٠ وعبد الرزاق ٩ / ٦٢ والحاكم ٢ / ٢٧٣، وفيه انقطاع.
(٢) وهذا قول ابن عباس وعطاء. راجع : الدر المنثور ٥ / ١٩٠.
(٣) أخرج عبد الرزاق وغيره عن أنس بن مالك قال : سألني سيرين المكاتبة، فأبيت عليه، فأتى عمر بن الخطاب، فأقبل عليّ بالدّرة، وقال : كاتبه، وتلا : فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً فكاتبته. راجع : الدر المنثور ٥ / ١٩٠.
(٤) يقال : رجل خير وخيّر، كميت وميّت. راجع : البصائر ٢ / ٧٤.