المفردات في غريب القرآن، ص : ٣٥
المحاورة والتخاطب والاحتجاج والاستدلال، لا على مصطلح اليونان، ولكل قوم لغة واصطلاح، وقد قال تعالى : وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم / ٤].
وقال عمر بن عبد العزيز لرجل سأله عن شيء من الأهواء : عليك بدين الصبي الذي في الكتّاب والأعراب، والْهَ عما سواهما.
وقال مالك : ما قلّت الآثار في قوم إلا ظهرت فيهم الأهواء، ولا قلّت العلماء إلا ظهر في الناس الجفاء.
وقال القاضي أبو يوسف : من طلب الدين بالكلام تزندق.
وقال الغزالي : أكثر الناس شكا عند الموت أهل الكلام «١».
وأنشد الخطابي :
حجج تهافت كالزجاج تخالها حقا، وكلّ كاسر مكسور
أمثلة من جمع الراغب بين الشريعة والحكمة :
نقول أولا : إن القاعدة التي اتّبعها الراغب في الجمع بينهما أنه جعل الشريعة هي الأساس والميزان، ثم عرض كلام الحكماء عليها، فما وافق قبله، وما لا فلا، لذلك نجده يقول في كتابه الذريعة :(واجب على الحكيم العالم النحرير أن يقتدي بالنبيّ صلّى اللّه عليه وسلم فيما قال :
إنّا معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزّل الناس منازلهم «٢»، ونكلم الناس بقدر عقولهم) «٣».
فمن ذلك قوله :
قيل لبعض الحكماء : هل من موجود يعمّ الورى؟ فقال : نعم أن تحسن خلقك، وتنوي لكل أحد خيرا «٤».
ثم يتبعه بما يقابله من الشريعة فيقول : وقال صلّى اللّه عليه وسلم :«إنّكم لن تسعوا النّاس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم» «٥».

_
(١) انظر : نقض المنطق لابن تيمية ص ٢٦.
(٢) الحديث أخرجه مسلم تعليقا في مقدمة صحيحه، مع بعض الاختلاف، وانظر : كشف الخفاء ١ / ١٩٤. والشطر الثاني «أمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم» رواه الديلمي بسند ضعيف عن ابن عباس مرفوعا.
(٣) انظر : الذريعة ص ١٢١.
(٤) انظر : الذريعة ص ٤٦.
(٥) الحديث أخرجه الحاكم والبزّار وابن عديّ والبيهقي عن أبي هريرة. انظر : كشف الخفاء ١ / ٢١٧.


الصفحة التالية
Icon