المفردات في غريب القرآن، ص : ٥٠٨
وقوله : وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً
[النساء / ٢٨]، فَضَعْفُهُ : كثرةُ حاجاته التي يستغني عنها الملأ الأعلى، وقوله : إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً [النساء / ٧٦]، فَضَعْفُ كيدِهِ إنما هو مع من صار من عباد اللّه المذكورين في قوله :
إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ [الإسراء / ٦٥]، والضِّعْفُ هو من الألفاظ المتضايفة التي يقتضي وجود أحدهما وجود الآخر، كالنّصف والزّوج، وهو تركّب قدرين متساويين، ويختصّ بالعدد، فإذا قيل : أَضْعَفْتُ الشيءَ، وضَعَّفْتُهُ، وضَاعَفْتُهُ : ضممت إليه مثله فصاعدا. قال بعضهم : ضَاعَفْتُ أبلغ من ضَعَّفْتُ «١»، ولهذا قرأ أكثرهم : يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ
[الأحزاب / ٣٠]، وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها
[النساء / ٤٠]، وقال : مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها [الأنعام / ١٦٠]، والمُضَاعَفَةُ على قضيّة هذا القول تقتضي أن يكون عشر أمثالها، وقيل : ضَعَفْتُهُ بالتّخفيف ضَعْفاً، فهو مَضْعُوفٌ، فَالضَّعْفُ مصدرٌ، والضِّعْفُ اسمٌ، كالثَّنْيِ والثِّنْيِ «٢»، فَضِعْفُ الشيءِ هو الّذي يُثَنِّيهِ، ومتى أضيف إلى عدد اقتضى ذلك العدد ومثله، نحو أن يقال : ضِعْفُ العشرةِ، وضِعْفُ المائةِ، فذلك عشرون ومائتان بلا خلاف، وعلى هذا قول الشاعر :
٢٩٣ -
جزيتك ضِعْفَ الوِدِّ لمّا اشتكيته وما إن جزاك الضِّعف من أحد قبلي
«٣» وإذا قيل : أعطه ضِعْفَيْ واحدٍ، فإنّ ذلك اقتضى الواحد ومثليه، وذلك ثلاثة، لأن معناه الواحد واللّذان يزاوجانه وذلك ثلاثة، هذا إذا كان الضِّعْفُ مضافا، فأمّا إذا لم يكن مضافا فقلت : الضِّعْفَيْنِ فإنّ ذلك يجري مجرى الزّوجين في أنّ كلّ واحد منهما يزاوج الآخر،

_
(١) وهذا قول أبي عمرو بن العلاء، فقد قال مكيّ : إنّ أبا عمرو حكى أنّ «ضاعفت» أكثر من «ضعّفت»، لأنّ «ضعّفت» معناه مرتان، وحكى أنّ العرب تقول : ضعّفت درهمك أي : جعلته درهمين، وتقول : ضاعفته، أي : جعلته أكثر من درهمين.
واللّه يعطي الحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف. انظر : الكشف عن وجوه القراءات ١ / ٣٠٠.
(٢) انظر : البصائر ٣ / ٤٧٨.
(٣) البيت لأبي ذويب الهذلي في ديوان الهذليين ١ / ٣٥، واللسان (ضعف)، والبصائر ٣ / ٤٧٨.


الصفحة التالية
Icon