المفردات في غريب القرآن، ص : ٥٣٨
قصد بقوله : أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ
[هود / ١٨]، وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً [الإنسان / ٣١]، في آي كثيرة، وقال : فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ
[الزمر / ٣٢]، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً [الأنعام / ٩٣].
والثاني : ظُلْمٌ بينه وبين الناس، وإيّاه قصد بقوله : وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ إلى قوله : إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ «١»، وبقوله : إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ
[الشورى / ٤٢]، وبقوله :
وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً
[الإسراء / ٣٣].
والثالث : ظُلْمٌ بينه وبين نفسه، وإيّاه قصد بقوله : فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ
[فاطر / ٣٢]، وقوله : ظَلَمْتُ نَفْسِي
[النمل / ٤٤]، إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ
[النساء / ٦٤]، فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ
[البقرة / ٣٥]، أي : من الظَّالِمِينَ أنفسهم، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ
[البقرة / ٢٣١].
وكلّ هذه الثّلاثة في الحقيقة ظُلْمٌ للنّفس، فإنّ الإنسان في أوّل ما يهمّ بالظُّلْمِ فقد ظَلَمَ نفسه، فإذا الظَّالِمُ أبدا مبتدئ في الظُّلْمِ، ولهذا قال تعالى في غير موضع : ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
[النحل / ٣٣]، وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
[البقرة / ٥٧]، وقوله : وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ
[الأنعام / ٨٢]، فقد قيل : هو الشّرك، بدلالة أنه لمّا نزلت هذه الآية شقّ ذلك على أصحاب النبيّ عليه السلام، وقال لهم :«ألم تروا إلى قوله : إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ
» «٢»، وقوله : وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً
[الكهف / ٣٣]، أي : لم تنقص، وقوله : وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً
[الزمر / ٤٧]، فإنه يتناول الأنواع الثّلاثة من الظُّلْمِ، فما أحد كان منه ظُلْمٌ مّا في الدّنيا إلّا ولو حصل له ما في الأرض ومثله معه لكان يفتدي به، وقوله : هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى
[النجم / ٥٢]، تنبيها أنّ الظُّلْمَ لا يغني ولا يجدي ولا يخلّص بل يردي بدلالة قوم نوح. وقوله : وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ
[غافر / ٣١]، وفي موضع : وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ
[ق / ٢٩]، وتخصيص أحدهما بالإرادة مع لفظ العباد، والآخر بلفظ الظَّلَّامِ للعبيد
(١) الآية : وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ. الشورى : ٤٠.
(٢) سورة لقمان : آية ١٣.
أخرج أحمد والبخاري ومسلم عن عبد اللّه بن مسعود قال : لمّا نزلت هذه الآية : الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ شقّ ذلك على الناس، فقالوا : يا رسول اللّه، وأينا لا يَظْلِمُ نفسه؟! قال :«إنّه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح : إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ إنما هو الشرك». انظر : الدر المنثور ٣ / ٣٠٨، وفتح الباري ٨ / ٢٩٤ كتاب التفسير، ومسلم برقم ١٢٤، والمسند ١ / ٤٢٤.