المفردات في غريب القرآن، ص : ٧٠٨
تعالى : وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ
[التوبة / ٣٢]، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة / ٣٣]، وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ
[الأنفال / ٥]، وقوله : أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات / ١٢] تنبيه أنّ أكل لحم الأخ شيء قد جبلت النّفس على كَرَاهَتِهَا له وإن تحرّاه الإنسان، وقوله : لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً [النساء / ١٩] وقرئ :
كرها «١»، والإِكْرَاهُ يقال في حمل الإنسان على ما يكرهه، وقوله : وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ [النور / ٣٣] فنهي عن حملهنّ على ما فيه كَرْهٌ وكُرْهٌ، وقوله : لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ
[البقرة / ٢٥٦] فقد قيل : كان ذلك في ابتداء الإسلام، فإنه كان يعرض على الإنسان الإسلام فإن أجاب وإلّا ترك «٢».
والثاني : أنّ ذلك في أهل الكتاب، فإنّهم إن أرادوا الجزية والتزموا الشّرائط تركوا «٣».
والثالث أنه لا حكم لمن أكره على دين باطل فاعترف به ودخل فيه، كما قال تعالى : إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ [النحل / ١٠٦].
الرابع : لا اعتداد في الآخرة بما يفعل الإنسان في الدّنيا من الطاعة كرها، فإنّ اللّه تعالى يعتبر السّرائر ولا يرضى إلّا الإخلاص، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام :«الأعمال بالنّيّات» «٤»، وقال :«أخلص يكفك القليل من العمل» «٥».
الخامس : معناه لا يحمل الإنسان على أمر مَكْرُوهٍ في الحقيقة مما يكلّفهم اللّه بل يحملون على نعيم الأبد، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام :«عجب ربّكم من قوم يقادون إلى الجنّة بالسّلاسل» «٦».
السادس : أنّ الدّين الجزاء. معناه : أنّ اللّه ليس بِمُكْرَهٍ على الجزاء بل يفعل ما يشاء بمن يشاء كما يشاء.
وقوله : أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ إلى قوله :
(١) وهي قراءة حمزة والكسائي وخلف. انظر : الإتحاف ص ١٨٨.
(٢) ويؤيد هذا ما أخرجه ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس قال : نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف، يقال له الحصين، كان له ابنان نصرانيان، وكان هو رجلا مسلما، فقال للنبيّ صلّى اللّه عليه وسلم : ألا أستكرههما؟ فإنهما قد أبيا إلا النصرانية، فأنزل اللّه فيه ذلك. انظر : الدر المنثور ٢ / ٢١، وتفسير الطبري ٣ / ١٤.
(٣) وهذا مروي عن ابن عباس أيضا، وأخرجه عنه ابن جرير وابن أبي حاتم.
(٤) الحديث متفق عليه، أخرجه البخاري في بدء الوحي ١ / ٧، ومسلم في الإمارة برقم (١٩٠٧)، وغيرهما.
(٥) الحديث عن معاذ بن جبل أنه قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن : أوصني. قال :«أخلص دينك يكفك العمل القليل» أخرجه الحاكم في الرقاق ٤ / ٣٠٦، وقال : صحيح الإسناد، ولم يوافقه الذهبي، وأبو نعيم في الحلية ١ / ٢٤٤. وقال العراقي : رواه الديلمي في مسند الفردوس من حديث معاذ، وإسناده منقطع. انظر : تخريج أحاديث الإحياء ٦ / ٢٤٠٦.
(٦) الحديث تقدّم في مادة (سلّ).