المفردات في غريب القرآن، ص : ٧١٠
فقال عليه الصلاة والسلام، «عمل الرجل بيده»، وقال :«إنّ أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإنّ ولده من كَسْبِهِ» «١»، وقال تعالى : لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا
[البقرة / ٢٦٤] وقد ورد في القرآن في فعل الصالحات والسيئات، فممّا استعمل في الصالحات قوله : أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً
[الأنعام / ١٥٨]، وقوله :
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً إلى قوله : مِمَّا كَسَبُوا [البقرة / ٢٠١ - ٢٠٢] «٢». وممّا يستعمل في السّيّئات : أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ
[الأنعام / ٧٠]، أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا
[الأنعام / ٧٠]، إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ
[الأنعام / ١٢٠]، فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ [البقرة / ٧٩]، وقال : فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ [التوبة / ٨٢]، وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا [فاطر / ٤٥]، وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها [الأنعام / ١٦٤]، وقوله : ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ [آل عمران / ١٦١] فمتناول لهما.
والِاكْتِسَابُ قد ورد فيهما. قال في الصالحات :
لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ
[النساء / ٣٢]، وقوله : لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ [البقرة / ٢٨٦] فقد قيل خصّ الكَسْبُ هاهنا بالصالح، والِاكْتِسَابُ بالسّيّئ، وقيل : عني بالكسب ما يتحرّاه من المَكَاسِبِ الأخرويّة، وبالاكتساب ما يتحرّاه من المكاسب الدّنيويّة، وقيل : عني بِالْكَسْبِ ما يفعله الإنسان من فعل خير وجلب نفع إلى غيره من حيثما يجوز، وبِالاكْتِسَابِ ما يحصّله لنفسه من نفع يجوز تناوله، فنبّه على أنّ ما يفعله الإنسان لغيره من نفع يوصّله إليه فله الثّواب، وأنّ ما يحصّله لنفسه - وإن كان متناولا من حيثما يجوز على الوجه - فقلّما ينفكّ من أن يكون عليه، إشارة إلى ما قيل :(من أراد الدّنيا فليوطّن نفسه على المصائب) «٣»، وقوله تعالى : أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
[التغابن / ١٥]، ونحو ذلك.
(١) الحديث عن عائشة قالت : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم :«إنّ أطيب ما أكل الرجل كسبه، وإنّ ولده من كسبه» أخرجه ابن حبان وصحّحه، في صحيحه برقم (١٠٩١)، وأبو داود برقم ٣٥٣٠، وابن ماجة برقم (٢٢٩٢)، وسنده حسن، وأحمد ٦ / ٣١، وقال المنذري : رجاله ثقات.
(٢) الآية : وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ.
(٣) هذا من كلام عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق. انظر مجمع الأمثال ٢ / ٢٧٤، والتمثيل والمحاضرة ص ٣٢.