المفردات في غريب القرآن، ص : ٧٢٣
تخلقني بيدك؟ ألم تسكنّي جنّتك؟ ألم تسجد لي ملائكتك؟ ألم تسبق رحمتك غضبك؟ أرأيت إن تبت أكنت معيدي إلى الجنّة؟ قال : نعم» «١».
وقيل : هي الأمانة المعروضة على السموات والأرض والجبال في قوله : إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ الآية [الأحزاب / ٧٢]، وقوله : وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ [البقرة / ١٢٤] قيل : هي الأشياء التي امتحن اللّه إبراهيم بها من ذبح ولده، والختان وغيرهما «٢». وقوله لزكريّا : أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ [آل عمران / ٣٩] قيل : هي كَلِمَةُ التّوحيد. وقيل : كتاب اللّه. وقيل : يعني به عيسى، وتسمية عيسى بكلمة في هذه الآية، وفي قوله : وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ
[النساء / ١٧١] لكونه موجدا بكن المذكور في قوله : إِنَّ مَثَلَ عِيسى [آل عمران / ٥٩] وقيل : لاهتداء الناس به كاهتدائهم بكلام اللّه تعالى، وقيل : سمّي به لما خصّه اللّه تعالى به في صغره حيث قال وهو في مهده :
إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ الآية [مريم / ٣٠]، وقيل : سمّي كَلِمَةَ اللّه تعالى من حيث إنه صار نبيّا كما سمّي النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم ذِكْراً رَسُولًا [الطلاق / ١٠ - ١١] «٣». وقوله : وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الآية [الأنعام / ١١٥]. فَالْكَلِمَةُ هاهنا القضيّة، فكلّ قضيّة تسمّى كلمة سواء كان ذلك مقالا أو فعالا، ووصفها بالصّدق، لأنه يقال : قول صدق، وفعل صدق، وقوله : وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ
[الأنعام / ١١٥] إشارة إلى نحو قوله :
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ الآية [المائدة / ٣]، ونبّه بذلك أنه لا تنسخ الشريعة بعد هذا، وقيل :
إشارة إلى ما قال عليه الصلاة والسلام :«أوّل ما خلق اللّه تعالى القلم فقال له : اجر بما هو كائن إلى يوم القيامة» «٤». وقيل : الكَلِمَةُ هي القرآن، وتسميته بكلمة كتسميتهم القصيدة كَلِمَةً، فذكر أنّها تتمّ وتبقى بحفظ اللّه تعالى إيّاها، فعبّر عن ذلك بلفظ الماضي تنبيها أن ذلك في حكم

_
(١) عن ابن عباس في الآية قال : أي ربّ ألم تخلقني بيدك؟ قال : بلى. قال : أي ربّ ألم تنفخ فيّ من روحك؟ قال :
بلى. قال : أي رب، ألم تسبق إليّ رحمتك قبل غضبك؟ قال : نعم. قال : أي رب، أرأيت إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة. قال : نعم. انظر : الدر المنثور ١ / ١٤٣.
(٢) عن ابن عباس قال : ابتلاء اللّه بالطهارة : خمس في الرأس، وخمس في الجسد. في الرأس : قص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس. وفي الجسد : تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل مكان الغائط والبول بالماء. انظر : الدر المنثور ١ / ٢٧٣.
(٣) الآية : قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا يَتْلُوا.
(٤) عن عبادة بن الصامت قال : سمعت النبي صلّى اللّه عليه وسلم يقول :«أول ما خلق اللّه تبارك وتعالى القلم، ثم قال له : اكتب.
قال : وما أكتب؟ قال : فاكتب ما يكون وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة»
أخرجه أحمد في المسند ٥ / ٣١٧، وفي إسناده ابن لهيعة، والترمذي وقال : حسن غريب (انظر : عارضة الأحوذي ١٢ / ٢١٧)، والحاكم ٢ / ٤٥٤ برواية أخرى، وقال : صحيح الإسناد، وأقرّه الذهبي.
قال ابن حجر في الفتاوى الحديثية : قد ورد - أي هذا الحديث - بل صحّ من طرق.


الصفحة التالية
Icon