المفردات في غريب القرآن، ص : ٧٩٧
الشَّرع بالألفاظ المعروفة، وقوله : أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ
[فصلت / ٤٤] فاستعمال النّداء فيهم تنبيها على بُعْدهم عن الحقّ في قوله : وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ
[ق / ٤١]، وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ
[مريم / ٥٢]، وقال : فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ
[النمل / ٨]، وقوله : إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا [مريم / ٣] فإنه أشار بِالنِّدَاء إلى اللّه تعالى، لأنّه تَصَوَّرَ نفسَهُ بعيدا منه بذنوبه، وأحواله السَّيِّئة كما يكون حال من يَخاف عذابَه، وقوله : رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ
[آل عمران / ١٩٣] فالإشارة بالمنادي إلى العقل، والكتاب المنزَّل، والرّسول المُرْسَل، وسائر الآيات الدَّالَّة على وجوب الإيمان باللّه تعالى. وجعله مناديا إلى الإيمان لظهوره ظهورَ النّداء، وحثّه على ذلك كحثّ المنادي. وأصل النِّداء من النَّدَى. أي : الرُّطُوبة، يقال : صوت نَدِيٌّ رفيع، واستعارة النِّداء للصَّوْت من حيث إنّ من يَكْثُرُ رطوبةُ فَمِهِ حَسُنَ كلامُه، ولهذا يُوصَفُ الفصيح بكثرة الرِّيق، ويقال : نَدًى وأَنْدَاءٌ وأَنْدِيَةٌ، ويسمّى الشَّجَر نَدًى لكونه منه، وذلك لتسمية المسبَّب باسم سببِهِ وقول الشاعر :
٤٣٥ -
كَالْكَرْمِ إذ نَادَى مِنَ الكَافُورِ
«١» أي : ظهر ظهورَ صوتِ المُنادي، وعُبِّرَ عن المجالسة بالنِّدَاء حتى قيل للمجلس : النَّادِي، والْمُنْتَدَى، والنَّدِيُّ، وقيل ذلك للجليس، قال تعالى : فَلْيَدْعُ نادِيَهُ
[العلق / ١٧] ومنه سمّيت دار النَّدْوَة بمكَّةَ، وهو المكان الذي كانوا يجتمعون فيه. ويُعَبَّر عن السَّخاء بالنَّدَى، فيقال :
فلان أَنْدَى كفّاً من فلان، وهو يَتَنَدَّى على أصحابه. أي : يَتَسَخَّى، وما نَدِيتُ بشيءٍ من فلان أي : ما نِلْتُ منه نَدًى، ومُنْدِيَاتُ الكَلِم :
المُخْزِيَات التي تُعْرَف.
نذر
النّذر : أن تُوجِب على نفسك ما ليس بواجب لحدوثِ أمر، يقال : نَذَرْتُ للّه أمراً، قال تعالى :
إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً [مريم / ٢٦]، وقال : وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ
[البقرة / ٢٧٠]، وَالإِنْذارُ : إخبارٌ فيه تخويف، كما أنّ التّبشير إخبار فيه سرور. قال تعالى :
فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى
[الليل / ١٤]، أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ [فصلت / ١٣]، وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ
[الأحقاف / ٢١]، وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ [الأحقاف / ٣]، لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ
(١) الشطر تقدّم، وهو للعجاج في ديوانه ص ٢٥.
وهو في مبادئ اللغة ص ١٥٠، والبصائر ٥ / ٢٣، واللسان (كفر)، وقد تقدّم في مادة (كفر).