المفردات في غريب القرآن، ص : ٩٠١
منه قبل، فعوتب في ذلك، فقال : أنا نظمته، أقلّد به من أشاء، فقوله : كنا سمعناه يدل على مجالسته له في مجالس أدبية.
وأقول : لعلّ قوله فعوتب يفهم منه أنّ المعاتب هو الرّاغب، لأنّه كان قد سمع الشعر سابقا.
فكلّ ما سبق يؤكد لنا أنه أدرك عصر الصاحب، وأنه بقوله في عدد من كتبه «١» : عملت ذلك للأستاذ الكريم أدام اللّه تأييده، أو إطلاقه عليه لفظ الشيخ الفاضل، كما قال «٢» : طال تعجّبي من ذلك الشيخ الفاضل حرسه اللّه لأمور رأيتها منه طريفة، وأيضا في محل آخر «٣» : بلغني ما جرى بحضرة الشيخ أطال اللّه بقاءه من ذكر مخالطة الناس ومجانبتهم وأنّ الحاضرين عنده اختلفوا.
فالمراد به الوزير أبو العباس الضبي يقينا، لأنه كان الوزير بعد الصاحب، وتوفي سنة ٣٩٩ ه، وقد ذكر الراغب بعض أشعاره في كتابه المحاضرات «٤»، ومجمع البلاغة «٥».
كلّ هذه الأمور تدلّ على عدم انطواء الراغب على نفسه، وانعزاله عن المجتمع، بل تؤكد أنّه كان مشاركا لأهل العلم والأدب في مجالسهم، مراجعا لهم في أقوالهم، وأمّا عدم شهرته فلأنّه كان مع الحكماء، وللعامة نظرة معادية للحكماء، ولكن أبى اللّه إلّا أن يرفع ذكره، ويخلد أثره عن طريق كتبه ومؤلفاته، رحمه اللّه وأجزل مثوبته.

_
(١) انظر تفصيل النشأتين ص ٥٠. [.....]
(٢) رسالة مراتب العلوم ورقة ٢.
(٣) رسالة أدب مخالفة الناس ورقة ١.
(٤) المحاضرات ١ / ٣٠٢، ٢ / ٤٨٧.
(٥) مجمع البلاغة٢ / ٦٨١


Icon